كلمة السر وأرض الفرص

CFA

يترأى لي صورة ذلك التمثال الضخم في ساحة رتردام – وهي مدينة دمرتها الحرب العالمية الثانية تدميرا كاملا – عندما أفكر في الاسو اق المالية وتقلباتها. ذلك التمثال الضخم عبارة عن هيكل حجري غير طبيعي ضخم ولكن اجزاؤه غير مترابطه, فالساعد لم يستقر على المفصل وهكذا السيقان, مفاصل الأقدام وجميع الأصابع مفصولة عن المفاصل, وكذلك الرقبة والرأس. فالتمثال يبهرك ضخامته ولكن عندما تتمعن فيه تخاف من انهياره.

إن البيئة الاستثمارية اليوم ربما تكون مثل صورة هذا التمثال , نظام عملاق , مؤسساته كثيرة متنوعة لكل منها دوراً محدد تشكل في مجموعها العام آلية الأسواق المالية. منتجات كثيرة تتلائم مع كل الأهداف والأنماط الاستثمارية سواء كان رأس المال مغامراً أو محافظا. كما ابتكرت تلك الأسواق آليات لتجزئة المنتج الاستثماري إلى سماته الأساسية من مخاطر وعوائد بحيث أصبح من المقدور التحكم في مستوى المخاطر والعوائد من خلال أسواقا أُنشئت لتتداول المخاطر. فهناك اسواقا لعقود الخيارات واسواقا للعقود المستقبلية كما أصبح بمقدور المستثمرين بيع توقعاتهم وهم لايملكون الاصول فإذا ماكانت لديهم نظرة تشاؤمية باعوا ما لا يملكون او اشتروا بمبالغ قليله تسمى الشراء بالهامش اكثر من طاقتهم المالية BLACK .SWAN

ولكن على ضخامة هذا النظام يخيل اليك انه سينهار في أي لحظة ولعل نسيم طالب في كتابه البجعة السوداء يعكس هذا المفهوم , فالازمات المالية التي تعصف بالدول من فترة الى اخرى ماهي الا دلائل على قابلية النظام على الانهيار. ان الازمة الاخيرة التي عصفت بالدول المتقدمة وادت الى انخفاض اسواق الاسهم باكثر من 40% في مدة قصيرة و شحت السيوله وارتفع سعر الاقراض بين البنوك مع ارتفاع مستوى البطالة الى نسب غير مسبوقة. كما ادت الى انهيار بنوك كثيره مثل ليمان براذر في سبتمبر عام 2008 مما استدع جورج سورس ان يعلق على هذا الكارثة  بالقول “انهار النظام ووضع تحت الاجهزة الصناعية التي ابقته حيا”. كما استدعت رؤساء دول كبرى مثل امريكا والصين والبرازيل للمراجعة الشاملة للنظام الراسمالي والنظام النقدي واضطرتها الى التدخل باكبر وتيرة من التسريع الكمي لمساندة البنوك كلها دلائل على هشاشة النظام المالي.

ان النظام الراسمالي الذي يعتمد الية الاسواق لتوزيع الموارد فشل في تحقيق اهم اهدافه المتمثله في تحسين مستوى الدخل وخلق الفرص المتساوية وتوزيع الموارد بكفاءة تؤدي الى تحسين نسبة النمو الاقتصادي وجودته وديمومته.

ان الية السوق تعمل وفق قوانين واجرءات ونظم يتم وضعها من اصحاب النفوذ المالي والسياسي الذي يهتمون بمصالحهم بالدرجة الاولى بدلا من مصالح المجتمع بكل عناصره.

والكاتب حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد  (Joseph E.Stiglitz) لمؤلفه The price of inquality أن كتاب أوضح فيه بشكل رائع الترابط بين التفاوت الطبقي وانخفاض نسبة النمو الاقتصادي , كما أرجع الازمات الاقتصادية إلى التفاوت الطبقي واوضح بشكل واضح كيف ساعدت الية السوق على توزيع الثروة من الادنى الى الاعلى مما ساهم في تركيز الثروات بحيث تضاعفت دخول ثروات اغنى 1% من السكان لتشكل اكثر من 22% من مجموع الدخل القومي الامريكي وليستحوذوا على 93% من نسبة النمو الاقتصادي . وعلى سبيل المثال بلغت ثروة بيل غيتس ووران بافت حوالي 77 مليار دولار امريكي.

ماهي الدروس المستفادة؟

أن عملية التخطيط الاقتصادي يجب ان تركز على توسيع الطبقة الوسطى وتوفير الفرص لها وتمكينها من استغلال الفرص . ان توسيع الطبقة الوسطى يخلق السلامة المالية بين المستهلكين والمستثمرين من خلال زيادة الاستهلاك مما تدفع نقطة التعادل عند مستوى التشغيل الكامل للاقتصاد بحيث يعمل الاقتصادبكامل طاقاته. كما يعمل على التقليل من حدوث الازمات الاقتصادية بسبب سعة القاعدة الانتاجية والاستهلاكية وتنوعها.

إن برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي وزيادة عدد الجامعات والمعاهد خطوة ممتازة في تحويل الطاقة البشرية الى اصول منتجة بدلا من كونها عبء وركيزة اساسية في المساهمة في توسيع الطبقة الوسطى. كما أن القرارات الأخيرة لوزير العمل والتي ساهمت في خلق فرص وظيفية وكذلك مبادرات التي تتبناها جهات حكومية مختلفة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كلها خطوات جيدة. الا ان هذا الخطوات يجب ان تكون من ضمن خطة اقتصادية متكاملة تهدف الى تنمية الطبقة الوسطى.  هذا الخطة يجب ان تكون لها اهدافها الواضحة والقابلة للقياس وتكون هناك الية واضحة لمراقبة تحقيق الأهداف. ان المملكة العربية السعودية بما لديها من امكانات متنوعة تستحق ان تكون ارضا للفرص وكلمة السر ..تنمية الطبقة الوسطى .