الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ظهرت مقولة أو شائعة بأن إجازة عيد الأضحى لموظفي الحكومة تبدأ من اليوم الوطني الذي يصادف هذا العام يوم الثلاثاء 28 من ذي القعدة. البعض يبارك هذا التطويل. لكن الحقيقة أن تطويل إجازة موظفي الحكومة يسر أقواما ويضر آخرين، وضرره على الاقتصاد أكبر من نفعه.
إن الناس تعتمد على الدوائر الحكومية في إنجاز أعمال ومصالح شتى. وتقليص دوام الحكومة لا شك أنه مضر بمصالح الناس وتبعا لذلك اقتصاد الوطن. ليس التقليص فقط في عدد الأيام، بل حتى في ساعات الدوام الحكومي المتاحة للإنجاز مشكلة في حد ذاته.
الوقت المتاح للإنجاز وهو الدوام الفعلي – وليس الرسمي – قصير نسبيا. إن نقص الدوام الفعلي عن الرسمي قضية معروفة مسلم بها، فهناك تساهل أو عدم انضباط في مواعيد بداية ونهاية الدوام الرسمية، وهناك التوقف الطويل نسبيا لصلاة الظهر، رغم أنه محسوب على الدوام الرسمي، وهناك خروج لمرات كثيرة خلال الدوام لإنجاز معاملات ومصالح خاصة أو للأهل والأقارب الأدنين خاصة النساء.
لنقارن ذلك بالوضع في شركة تملكها الحكومة.
تحدث رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير مديريها التنفيذيين عبد الله بن صالح بن جمعة، عن قضايا وموضوعات كثيرة حري بها أن تكون موضع اهتمام واستفادة الخدمة الحكومية المدنية، ولعل المهندس علي النعيمي وزير البترول يسهم في نقل التجارب والفوائد، بالنظر إلى كونه رئيسا سابقا لـ “أرامكو”.
كان من ضمن ما قاله الرئيس ابن جمعة في مقابلة مطولة أجرتها “الشرق الأوسط” في عدد الخميـس 25 ربيـع الآخر 1426 هـ الموافق 2 حزيران (يونيو) 2005:
“الدوام عندنا في «أرامكو السعودية» مثلا يبدأ الساعة 7 صباحا. رئيس “أرامكو السعودية” يكون في الشركة في السادسة والنصف. من الصعب أن تتصل بي الساعة السادسة والنصف ولا تجدني، ولا أغادر قبل الرابعة والنصف، وأغادر ربما السادسة أو السابعة. لكن حتى لو أنهيت عملي لا أغادر مكتبي قبل الرابعة لأنني أعلم أن الموظفين لا يريدون أن يروا رئيس الشركة يغادر قبل انتهاء الدوام بخمس أو ثلاث دقائق. فموضوع الانضباط داخل الشركة مهم جدا”.
معروف أن الدوام الرسمي لمكاتب الحكومة سبع ساعات تبدأ من السابعة والنصف صباحا .. فهل يلتزم بهذا الدوام؟
الحقيقة أن الدوام الفعلي أقل من الرسمي والفرق كبير. إن نقص الدوام الفعلي عن الرسمي قضية معروفة مسلم بها.
نعرف أن أغلبية موظفي الحكومة (خلاف الذين لهم دوام مختلف) يأتون متأخرين ويخرجون مبكرين. وبعضهم يفتي نفسه بأن وقت الطريق من وإلى البيت جزء من الدوام، وهذه فتوى منكرة.
كثرة من كبار موظفي الدوائر الحكومية – كوكلاء الوزارات والمديرين العامين – تداوم بعد حضور مرؤوسيهم بوقت طويل، وحجة بعضهم أنهم يبقون في مكاتبهم إلى ما بعد انتهاء الدوام، ولكن هذا السلوك يفتح بابا للتساؤل:
إذا كانوا لا يرون بأسا فيما يفعلون، فلماذا لا تجعل بداية الدوام الرسمي كذلك؟
وإذا كانوا يرون لأنفسهم استثناء، فلماذا لا ينص النظام على ذلك؟
لنتذكر أقوالا لا تحصر في أثر القدوة.
يجادل البعض بأن الأهم هو الإنتاج وليس الانضباط في الحضور. هذا صحيح من وجه وليس صحيحا من كل وجه. الحق أن المطلوب كلا الاثنين: الانضباط والإنتاج. ومن جهة أخرى، الأغلبية بل أدعي أن الجميع يوافق على أن إنتاجية كثير من موظفي الحكومة في الساعة كما ونوعا منخفضة. فإذا أضفنا إلى هذه الإنتاجية المنخفضة في الوحدة الزمنية الواحدة قلة الوحدات الزمنية التي يعمل فيها حقيقة الموظف، فإن المصيبة تتضاعف: مشكلة في الكيف ومشكلة في الكم.
هناك قول شائع بين الناس وهو “يوم الحكومة سنة”.
يسهم في تعطيل إنجاز مصالح الناس ضعف الإنتاجية في بداية الدوام وبعد صلاة الظهر. وارتبط ذلك بعادات سيئة في مواعيد الوجبات. أسهم الدوام الحكومي في تعويد الناس على تأخير مواعيد الوجبات، مما لا نراه في الشعوب الأخرى. ولهذا التأخير تبعات وأضرار، ليس مجال استعراضها هذا المقال.
هل نطمع في بيئة عمل أكثر انضباطا؟ في زيادة ساعات دوام الحكومة وتعديل مواعيد الوجبات؟
ربما كان هذا حلما، ولكن تحقيقه ليس بالمستحيل.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال