3666 144 055
[email protected]
ترتسم الهيكلة الإدارية في المنشآت الحكومية بدءا من القاعدة ووصولاً إلى رأس الهرم الإداري لغاية واحدة، هي خدمة المواطن (الإنسان). هذا ما بدأت من أجله الفكرة في الحضارات الإنسانية.. وهو حتماً ما انتهت إليه في المجتمعات المدنية التي استعرنا منها أبجديات الإدارة وأدوات تطبيقها الشكلية! هذا «الشكل» النهائي للعلاقة بين الموظفين يصنع مجتمعاً داخلياً في كل مرفق أو منشأة. فالمجتمع المدني المنشغل بيومياته عليه أن يطمئن وأن يثق أن هناك من يخدم مصالحه من باب الالتزام والواجب. بعبارة أخرى، في الجهاز الحكومي يفترض أن يكون هناك مجتمع داخلي يقوم بخدمة المجتمع من حوله (المحيط الخارجي).
سبب تردي أحوال بعض مؤسساتنا الحكومية هو انقلاب الصورة! فالذي يحدث في حالتنا هو أن المجتمع الداخلي في كل جهاز حكومي منشغل بخدمة ذاته أمام رأس الهرم. وهذا يؤدي إلى بقاء الخدمات في دائرة المجتمع الداخلي وانعدام فرص انتقال تلك الخدمات إلى المجتمع الخارجي. فالكل، تقريباً، منشغلون بإبراز ولائهم، تفانيهم وبشاشتهم لجناب المسؤول! يأتي هذا سعياً إلى ترقية، ابتعاث، إجازة، انتداب وما شابه ذلك، ويغذي هذا كثيراً رغبة الانتصار في الموظف على حساب موظف مثله، وكان من الأولى أن يتنافسوا في خدمة المواطن وليس ذواتهم، كما اتفقنا سابقاً!
الخطر الكامن هنا، والذي قد يتحول إلى داء عضال ومزمن بمرور الوقت، هو أن الأجهزة الحكومية واجبها أن تقدم خدماتها للمجتمع بدءًا من أول مكوناته: الإنسان. وهنا تختلف النتائج عن مؤسسات القطاع الخاص، وفيها أيضاً مظاهر ملموسة من انشغال مجتمعاتها الداخلية بإرضاء أصحاب المناصب العليا! والاختلاف كامن في أن المستفيد من خدمات القطاع الخاص المُعطّلة هو: «زبون» أو «عميل».. وليس مواطناً ومن خلفه مجتمع بأكمله.
أول خطوات التصحيح مرتبطة في يقيني بوسائل الإعلام، فمن خلالها، ومستعينين بمختصين في علم المجتمع، يمكن لنا أن نعيد قراءة ظاهرة النفاق الوظيفي حجماً وتأثيراً. أنا متأكد من صدامية هذه الدراسات، فنسبة المنافقين في بيئات العمل تبدو مفزعة، غير أن هذا لم يكتسب الشكل العلمي بالدراسة والتحليل. وربما يكون مجتمعنا بحاجة لمثل هذه الأرقام الصادمة ليكتشف ويعيش الواقع ويراجع نفسه ويقول: أنا لست أذكى إنسان في العالم! نفاقي مدمر لمستقبل أبنائي! نفاقي مدمر لمستقبل مجتمعي! نفاقي جعلني أدخل في مساومات وتنازلات سوف تعكر كل لحظة من لحظات تقاعدي! إلخ!
من ناحية أخرى، وهذا أكثر أهمية، سنكتشف حجم ونوع الضغط الذي يتعرض له الموظف في بيئة العمل ويضطر معه لممارسة النفاق في مرحلة من مراحل حياته الوظيفية، أو حتى طوال تلك الحياة!
نقلا عن اليوم
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734