3666 144 055
[email protected]
ahmad_khatib@
في خمسينات القرن الماضي، أسس الشاب القادم من البكيرية بحثا عن لقمة عيشه، أول دكان صرافة تحت إدارته في جدة. حتى ذلك الحين، كان قد مارس أعمالا متواضعة ومختلفة في مسقط رأسه وفي العاصمة الرياض، فلم يكن لديه بديلا عن الجد في العمل كونه نشأ في أسرة فقيرة وظروف اقتصادية صعبة. كان ذلك الدكان نواة ما سيصبح لاحقا أكبر مصرف إسلامي في الشرق الأوسط إن لم يكن في العالم.
كانت فكرة الشيخ سليمان الراجحي من تطوير أعمال دكان الصرافة بسيطة وعبقرية في نفس الوقت. مع توسع أعماله وتعامله مع مؤسسات مالية في الخارج، لاحظ في كشوفات حساباته دخول فوائد بنكية عليها وهو ما يتنافى مع
مبدأ الكسب الحلال في الشريعة الإسلامية. مبدأ الشيخ سليمان كان نفسه لدى شريحة كبيرة من الناس في المنطقة، ما يعني أن الطلب على الخدمة التي سيؤسسها كان موجودا في السوق ويحتاج فقط إلى توفير العرض المقابل له بجودة مناسبة. تحول الدكان الصغير في السبعينات إلى مؤسسة مصرفية وفيما بعد إلى شركة مساهمة عامة تحت اسم مصرف الراجحي، الذي استمر الشيخ رئيسا لمجلس ادارته حتى تقاعده منذ عدة أيام ليتفرغ لإدارة أعماله الخيرية التي لا تقل حجما عن أعماله التجارية.
في نفس الفترة تقريبا، أي السبعينات الميلادية، كان الأمير محمد، النجل الأكبر للملك فيصل بن عبدالعزيز من زوجته عفت الثنيان، يضع اللمسات الأخيرة على مشروعه بتأسيس مؤسسة مالية ضخمة في مصر حملت اسم بنك فيصل الإسلامي. و في دبي كان الحاج سعيد لوتاه، ابن العائلة التي مارست تجارة اللؤلؤ، يؤسس بنك دبي الإسلامي الذي كان فعليا أول مؤسسة مالية أخذت هيكلية المصرف الإسلامي منذ تأسيسها عام ١٩٧٥.
توالى بعد ذلك تأسيس البنوك الإسلامية في كل مكان، ونمت كصناعة رائدة بشكل كبير، ثم توسعت وتخصصت
فرأينا شركات التأمين والاستثمار والتمويل التي تتبع الشريعة الإسلامية كأساس لعملياتها. لا بل قامت مؤسسات
عريقة إما بإضافة نشاط إسلامي منفصل تحت مظلتها أو بالتحول الكامل إلى المصرفية الإسلامية.
حتى وقت قريب، كان يُنظر للمصرفية الإسلامية، كمنتج متخصص يخدم متطلبات شريحة معينة من المجتمعات
الإسلامية. وهذا صحيح، مع أنه حد من تطور وتنافسية المنتجات في مناطق أخرى. لكن الوضع تغير
وخصوصا في العقد الأخير، حيث أبدع صناع ورواد هذا المجال في تطوير منتجاتهم بشكل أصبحت تنافس
المنتجات البنكية التقليدية على مستوى الأفراد والشركات. أصبحت أهم هيئات الرقابة العالمية تعطي تراخيص
مزاولة الأنشطة المالية الإسلامية، فصار هناك فروعا لمصارف إسلامية في العديد من عواصم المال في العالم.
وبعدما أثبتت مؤسسات مالية إسلامية كثيرة متانتها خلال الأزمة العالمية، جذبت اهتماما غير مسبوق من
المستثمرين في كل مكان.
مع كل التطور والنمو، إلا أن المصرفية الإسلامية ما زالت بحاجة لعناية أكبر واهتمام أشد على مستوى النظم
والقوانين الإجرائية. فإلى الان، على سبيل المثال، لا يوجد معايير محاسبية إسلامية متفق عليها على الرغم من
وجود عدد من الهيئات والمنظمات التي قامت بمحاولات جادة بهذا الخصوص. من ناحية أخرى، فإن الأطر
التنظيمية التي تحكم عمل تلك المؤسسات مع نظيراتها التقليدية أيضا بحاجة إلى مزيد من العمل.
إن الأمور المذكورة ليست معقدة أو مستحيلة، مما يجعلني أعتقد أن المؤسسات التقليدية تحارب، وإن بشكل غير
مباشر، تطوير هيكلية الصناعة المالية الإسلامية لما تشكله من خطر تنافسي عليها حيث من المتوقع أن يبلغ حجم
الاقتصاد الاسلامي عدة تريليونات من الدولارات عام ٢٠٢٠.
في العام الماضي ظهرت مبادرة تدعو إلى التفاؤل بمستقبل هذه الصناعة، حيث أعلن الشيخ محمد بن راشد عن
خطة طويلة الأمد لجعل دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي، وأُرفقت الخطة بوضع ركائز للعمل تُظهر جدية
المشروع.
إن الأسس المطلوبة لجعل هذه الصناعة تبلغ حجما عملاقا موجودة و متوفرة، فكما ذكرنا، الطلب على المنتجات
كبير جدا و في تزايد مستمر، والفكر المتبع مميز بالإضافة إلى الأدوات ذات النوعية المرتفعة. يبقى إذن، الإيمان
بأنها صناعة عالمية و ستكون يوما ما مؤثرة جدا في الاقتصاد العالمي، وهذا ما أتوقعه شخصيا.
الخطيب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734