3666 144 055
[email protected]
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
في أكتوبر من العام 2001، ظهرت إلى العلن أخبار عن تلاعب محاسبي حصل في شركة الطاقة العملاقة “إنرون”. كانت القيمة السوقية للشركة التي تأسست عام 1985 قد فاقت 60 مليار دولار وبلغ سعر سهمها في البورصة في وقت من الأوقات 90 دولار. خلال شهر واحد هوى سهمها لأقل من دولار واحد ثم أشهرت الشركة إفلاسها.
استخدمت الشركة لسنوات طويلة طرق ملتوية للتحايل على المعايير المحاسبية عبر إنشاء شركات منفصلة يتم فيها تغطية الخسائر بدون إظهارها في القوائم المالية للشركة الأم. الخطأ لم يكن استحداث الشركات المنفصلة، فهو مبدأ مقبول في المعايير المحاسبية ولكن بشروط لم تطبقها “إنرون”. وصلت الهيكلية المحاسبية التي استخدمتها الشركة حدا وصفه الكثير من المحللين بالمعقد جدا لفهم المستثمر العادي.
طوال سنوات عملها كانت الشركة تحصل على تقرير نظيف من مدقق حسابتها الذي كان شركة أندرسن، إحدى أكبر خمس شركات محاسبة في العالم وقتذاك. بعد إفلاس “إنرون”، خسر المسثمرون مبالغ طائلة وتبخرت مدخرات الموظفين وأغلقت شركة التدقيق العالمية أبوابها لخسارتها قضائيا أمام من قاضاها بالإهمال والتواطؤ. حكم على المسؤولين التنفيذيين في “إنرون” بقضاء سنوات طويلة في السجن، وفقد 22 ألف من موظفي الشركة و85 ألف من موظفي “أندرسن” وظائفهم، ولم يستعد المستثمرون أموالهم. جدير بالذكر هنا أن الأجهزة الرقابية فتحت تحقيقا بالموضوع، لكن بعد خراب مالطا!
يعين مدقق الحسابات في الشركات من قبل المساهمين عبر الجمعية العمومية ويكون مسؤولا أمامها ويسمى المدقق الخارجي كونه ليس تابعا للشركة. في المقابل، يتوجب على مجلس الإدارة إنشاء وحدة للتدقيق الداخلي تكون مسؤولة أمامه عن عمليات مراجعة أداء الشركة. يحدث خلط عند البعض بين مهمات ومسؤولية المدقق الخارجي وتلك الخاصة بالإدارة. الصحيح هو أن الإدارة مسؤولة مسؤولية كاملة عن إعداد البيانات المالية وصحتها وذلك يتضمن اختيار المعايير المحاسبية والتأكد من صحة تطبيقها.
دور المدقق الخارجي يقتصر على إبداء الرأي حول صحتها كما يرد في العبارة التي يتضمنها أي تقرير مراجعة والتي نصها : “تعتبر إدارة الشركة مسؤولة عن القوائم المالية التي أعدتها الشركة والمقدمة لنا مع كافة المعلومات التي طلبناها. إن مسؤوليتنا هي إبداء الرأي حول هذه القوائم المالية استنادا إلى المراجعة التي قمنا بها.”
بناء لذلك فإن موافقة مدقق الحسابات على القوائم المالية لا يعفي الإدارة من مسؤوليتها في حال وجود أخطاء. والأخطاء تنقسم إلى قسمين:
الاول، من النوع الذي يحدث بشكل متعمد وهو ما يعتبر احتيالا، والثاني، نوع الإهمال غير المتعمد الناتج عن تقدير خاطيء أو قلة خبرة أو تفسير مخالف للمعايير. في الحالتين تتأثر الشركة ويخسر المستثمرون فيحاولون نعويض خسائرهم قضائيا وهذا أمر شديد الصعوبة.
تطورت المعايير المحاسبية عبر السنوات واصبح الكثير منها يعتمد على تفسير العملية التجارية ومن ثم تصنيفها محاسبيا لتحديد طريقة قيدها. وهذا ما يفتح الأبواب للاختلاف في التفسير واحتمال حدوث خطأ ما. ومن الطبيعي أن يكون لإدارة الشركة ميل لاستخدام التفسيرات التي تؤدي إلى زيادة حجم الايرادات والأرباح متى مارأت أن المعايير المحاسبية تسمح لها بذلك.
وتعتبر المعايير المحاسبية المختصة بتحقق الإيراد من أكثر المعايير التي تثير الجدل. ففي كثير من الحالات تسمح المحاسبة بقيد إيرادات مستقبلية في الفترة الحالية اذا انطبقت بعض الشروط، والأخطاء عادة ما تحدث بسبب الاختلاف في تفسير تلك الشروط واذا وافق المدقق على تفسير الادارة لن تحدث أي مشكلة إلى أن تواجه الادارة في المستقبل تباينا بين ما أوردته في حساباتها والمحقق على أرض الواقع.
إن اعتماد المستثمر على تقرير مدقق الحسابات لتحديد صحة البيانات الحسابية قبل اتخاذ قراراته صحيح ولا غبار عليه، فالمدقق معتمد من السلطات المختصة ومصرح له بناء لمعايير معروفة. ولا يمكن أن نطلب من المستثمر أكثر من قراءة البيانات المالية وتحليلها. المهم في حالات حدوث أخطاء جوهرية هو تحديد المسؤولية وطبيعتها. في العادة لا بد من وجود تقصير من قبل الإدارة ويغادر بعض الأشخاص مناصبهم، فكيف للمستثمر أن يثق بنفس الأشخاص مستقبلا؟ بالإضافة إلى ذلك، تتأثر سمعة مدقق الحسابات حيث يقلق مستثمرو الشركات الأخرى التي يدققها نفس المكتب المحاسبي.
عندما تحدث أخطاء مؤثرة يخسر المستثمر بسببها أمواله فإنه سيتساءل: ما هي الفائدة من قوانين الحوكمة والأجهزة الرقابية وشركات التدقيق إذا كانت لن تحميه في مثل تلك الحالات؟
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734