3666 144 055
[email protected]
مرت مملكتنا خلال العقود الماضية بنهضة تنموية كبيرة شهدت تشييد مدن حديثة، ومنشآت عملاقة، وبنى تحتية ضخمة تشكل في مجموعها مكتسبات حقيقية؛ وقد أنفق عليها ميزانيات كبيرة، وبذلت فيها جهود حثيثة، لذلك فإن الحفاظ على هذه المكتسبات، وإبقائها بحالة تشغيلية فعالة هو أمر حتمي يؤدي إلى استدامة أدائها بيئيا، واقتصاديا، واجتماعيا؛ وبالتالي ضمان تحسين أسباب الراحة، والعيش الكريم لمستخدميها حاضرا، ومستقبلا؛
ولا يختلف اثنان على أهمية تفعيل آليات التشغيل والصيانة، للمنشاءات والمرافق والبنى التحتية؛ وتأثيرها على رضا المجتمع، وحفظ المال، وترشيد الموارد، وتوفير الجهود، ومنع الإضرار بالأشخاص والممتلكات؛ والجهات الخدمية ذات العلاقة تسعى إلى تحقيق الصيانة للمشروعات، والمرافق، والبنى التحتية من خلال التجاوب عند حدوث الخلل، وهو ما يطلق عليه (الصيانة الإضطرارية)، والمبنية عادة على الصدفة، أو وقوع حادثة، أو على بلاغات المواطنين وشكاويهم عبر الوسائل المتاحة؛ وهذه الإجراءات لوحدها أظهرت عجزها، وقلة حيلتها أمام تعدد المشكلات، وتنوعها، وتفاقم بعضها؛ مما أفرز تراكما للمشكلات، وتأخيرا للأعمال، وزيادة في تكاليف تصحيح الأوضاع، وإضرارا بالأشخاص والممتلكات، وأهملا اجوانب الاستدامة المفترضة.
إن الاعتماد على أسلوب انتظار المشكلة حتى وقوعها؛ ومن ثم التحرك لعلاجها كيفما اتفق! ليس بالأسلوب المناسب، و لا بالطريقة المثلى؛ فلا بد أن يتوازى معه أسلوب الصيانة الوقائية، والصيانة التنبؤية؛ والتي تعمل على رصد الخلل أولا بأول، وتوقع حدوثه قبل وقوعه؛ ومن ثم القيام بالأعمال المناسبة لتصحيح الأوضاع؛ ولكم مقارنة البون الشاسع، والمفارقات العجيبة بين نهج التشغيل والصيانة الإبداعي لدى الهيئة الملكية في الجبيل وينبع؛ وبين أكوام المشاكل، ومحاولات الترقيع المشوهة، في أمانة جدة مثلا!
وللخروج من هذا المنحنى التقليدي إلى آخر أكثر ثباتا وأعلى إنتاجية؛ نقول أنه ينبغي للمسؤولين عن أعمال التشغيل والصيانة، في مختلف أنواع الأنشطة، والقطاعات، وضع رؤية إستراتيجية تتبني منهجية علمية ومهنية وتقنية؛ وتركز على تطبيق برامج الصيانة المخططة (الوقائية والتوقعية)؛ وتنفذ أعمالها في إطار فكر مؤسسي منظم يستند الى المقاييس والمعايير العالمية؛ ويهتم بالعنصر البشري من خلال تدريب قوى العمل الفنية المواطنة؛ ويعمل على تقنين وتطبيق المعايير المهنية وتبادل الخبرات والتجارب داخليا وخارجيا؛ بما يساهم في رفع مستوى الأداء لهذه القطاعات الحيوية والمؤثرة على حاضر ومستقبل الوطن.
الكل بات يدرك أن الصيانة والتشغيل لقطاع الخدمات العامة، يرزح تحت وطأة البيروقراطية المكبلة؛ وتجتاحه الكثير من الأدواء والعلل؛ وهو يحتاج فعلا إلى نقلة نوعية وقفزة كبيرة؛ فما يبذل لا يزال أقل بكثير عن رضا الناس وتطلعاتهم؛ فأغلب المشروعات يضربها الفشل من مهدها حتى خروجها ويطرقها ألف مرة أخرى عند غياب الصيانة تماما، أو حضورها كالغياب!.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734