3666 144 055
[email protected]
AbdullahHabter@
قبل أكثر من 30 عاما تقريبا لم يكن النفط يحظى بهذا الاهتمام الذي يحظى به اليوم من قبل المواطن السعودي خصوصا، ومن دون شك أن هذا الاهتمام راجع لأمرين أولهما حجم الوعي والإدراك لدى المواطن بأهمية هذه السلعة وأثرها على اقتصاد بلده ومستوى معيشته، والثاني معرفته بالتأثير الذي يحدثه سعر برميل النفط على الاقتصاد العالمي ، والأسواق والبورصات العالمية ، إضافة للعلاقات السياسية بين الدول.
وعند الحديث عن النفط، فنحن نتحدث عن سلعة قد تخالف قواعد السوق أحيانا، وغالبا ما يلحظ ذلك الاقتصاديين والمهتمين بدراسة أسواق النفط، ومثال ذلك الخروقات التي يحدثها النفط في أهم أساسيات علم الاقتصاد والمحرك الرئيس للأسواق، والمتمثلة في العرض والطلب، فمع ازدياد الطلب على أي سلعة يزداد سعرها تبعا لذلك، والعكس، فكيف إذا كانت تلك السلعة سلعة إستراتيجية كالنفط مثلا.
وحتى نسهل على القارئ فهم ما نقصده، الشكل أدناه يوضح ذلك، فاللون الأزرق يمثل الاستهلاك العالمي من النفط (الطلب)، واللون الأخضر يمثل الإنتاج العالمي من النفط (العرض)، والخط باللون الأحمر يمثل سعر برميل النفط بالدولار.
فمثلا عام 2008 كان المعروض العالمي يفوق الطلب العالمي من النفط وكان متوسط سعر البرميل يتجاوز 95 دولار، بينما في 2009 كان الطلب على النفط يفوق المعروض منه، أي أن هناك نقص في المعروض ومع ذلك انخفضت الأسعار لمستوى قريب من 60 دولار للبرميل، أي بفارق يقارب 30 دولار عن 2009، مع أن الاستهلاك في 2009 أعلى مقارنة بما كان عليه 2008 بحوالي 250 ألف برميل يوميا، والمفترض أن يحدث العكس.
وخلال الأيام الماضية كثر الحديث سواء في وسائل الإعلام أو مجالس العامة ولو بشكل عابر ذلك الانخفاض الحاد في أسعار النفط حتى وصلت لما دون 74 دولار للبرميل بعدما أن كانت قبل 3 أشهر فوق 100 دولار للبرميل، وقد لاحظنا أثر ذلك على سوق الأسهم، من خلال الوجل الذي أصاب المضاربين وانعكس على تعاملاتهم اليومية، إضافة إلى أنه جعل أغلب المحللين في حيرة حول حركة السوق، – ومن حسنات ذلك أن منحهم قسطا من الراحة -.
وكنت كتبت مقالا قبل 4 أشهر من 3 حلقات بعنوان “النفط بين انتفاضة المضاربين وشبح الفائدة” توقعت من خلاله أن تنخفض أسعار النفط خصوصا في الربع الرابع من هذا العام، وذلك بناء على بعض المؤشرات الاقتصادية، ولعل القلق الذي يشعر به المواطن من انخفاض الأسعار بهذا المستوى، هو نظير ذلك التأثير الذي يحدثه النفط على اقتصادنا المحلي وارتباطه الوثيق بالموازنة العامة للدولة وانعكاساته على بقية القطاعات الأخرى، إضافة إلى تأثيره على المواطن سواء كان ذلك التأثير بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
والنفط كسلعة إستراتيجية لها أهمية كبيرة جدا، وتأثير واضح من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، والتاريخ مليء بمثل هذه الأحداث التي تدل على ذلك، إلا أنه أحيانا كما ذكرنا لا يخضع لقواعد السوق كأي سلعة تجارية تتأثر أسعارها حسب تأثير العرض ولطلب.
والسؤال الذي يبرز من خلال ذلك، ماذا لو كان النفط بالنسبة لنا سلعة تجارية بدلا من أن يكون سلعة إستراتيجية، هل سيأخذ ذلك القدر من الاهتمام لدى المواطن ؟
في الثمانينات الميلادية تحديدا 1986 انهارت أسعار النفط لما دون 10 دولارات للبرميل، ورغم ذلك استطاعت الدول الخليجية ومن ضمنها المملكة من تجاوز هذه الأزمة بفضل الله ثم بفضل ما تحقق لها من فوائض مالية في السبعينات وبداية الثمانينات الميلادية نتيجة لارتفاع الأسعار، إضافة لخفض النفقات والمصروفات، كما أن الكثير من المواطنين في تلك الفترة لم يشعر بتأثير ذلك الانهيار على مستوى معيشته. ثم حدث انهيار آخر في عام 1998 أثر ذلك تأثيرا كبيرا على المملكة نتيجة لعدم وجود احتياطيات نقدية مما أدى إلى عجز متواصل في ميزانية الدولة أجبر الحكومة إلى أن تتجه للاقتراض لتسديد ذلك العجز لتلبية نفقاتها، الأمر الذي أدى إلى دين متراكم قارب 700 مليار ريال، وفي تلك الفترة لاحظ المواطن تأثير ذلك على مستوى معيشته.
وبمقارنة بعض الدول التي تنتج النفط ولكنها لا تسمى دول نفطية لعدم اعتمادها على النفط كسلعة أساسية (إستراتيجية) بالنسبة لاقتصادها كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بل يعتبر بالنسبة لها سلعة تجارية، نجد أنه نادرا ما يتأثر اقتصاد تلك الدول بأسعار النفط، بل إن من صالحها بقاء الأسعار مرتفعة – خصوصا في مرحلة الانتعاش الاقتصادي والذي يعقبه معدلات نمو مشجعة – لعدة أسباب ، منها أن ما تجنيه الدول المستهلكة للنفط جراء الضرائب التي تفرضها على النفط قد يفوق ما تجنيه الدول المنتجة، إضافة لارتفاع الأرباح التي تحققها الشركات المصنعة نظير ارتفاع أسعار السلع التي تنتجها بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، وقد لاحظنا ذلك في أسعار بعض السلع التي ارتفع سعرها بما يزيد عن 70% مقارنة بما كانت عليه قبل ارتفاع أسعار النفط.
وحسب إحصائية مؤسسة النقد فإن النفط يمثل بالمتوسط 80% من إيرادات الدولة، لذا يجب أن ندرك تماما حجم التحديات الاقتصادية التي أمامنا والتي قد تعظم ما لم نسعى في مواجهتها والتخفيف من أثرها سواء على الاقتصاد أو المواطن ، كزيادة معدلات البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة ، إضافة لمشاكل الإسكان، وازدياد عدد السكان، مما يحتم علينا أن نقلل من الاعتماد على النفط وأن ننظر إليه كسلعة تجارية مكملة لإيرادات الدولة، وإلا سيكون النفط الذي حققنا من خلاله إيرادات ضخمة في العشر سنوات الماضية ، سببا في تبخر تلك الإيرادات خلال سنتين أو ثلاث، وسيبقى القلق شبحا يطارد الاقتصاد والمواطن طالما بقينا نعتمد عليه.
حبتر
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734