الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
نشرت صحيفة سبق خبرا بعنوان “متخصصون يطالبون بفتوى تحدد آلية تنظيم النسل في السعودية”، وكان مما ذُكر في الخبر ” أن النمو السكاني في السعودية يُعتبر من الأعلى في العالم، ولا يمكن بهذا الوضع تحقيق التوافق بين النمو الاقتصادي وتوفير البنية التحتية في ظل هذا النمو الكبير في المواليد والسكان؛ لكونه جزءاً من التنظيم الكلي ومؤثر على الموارد الاقتصادية” .. انتهى .
لا أخفي دهشتي وعدم استغرابي في الوقت نفسه ، فوجه الدهشة هل بلغت مشاكلنا الاقتصادية إلى الحد الذي ينطبق عليه المثل “آخر الدواء الكي”، بينما عدم استغرابي أن مثل ذلك يطرح بين الحين والآخر، وكأننا أمام مشكلة تعيق نمونا الاقتصادي.
إن مناقشة هذا الموضوع من ناحية اقتصادية بحتة، تاركين الجانب الشرعي لأهل الاختصاص، نجد أنه موضوعا بالغ الأهمية خصوصا للدول الأكثر فقرا، أو تعاني انخفاضا مستمرا وكبيرا في مواردها المالية، أو عدم وجود مورد داعما لنفقاتها، مما يجعلها تقع تحت ضغوط للوفاء بالتزاماتها، ولتلبية حاجات مواطنيها سواء من الخدمات أو الغذاء، في المقابل نجد أنه لا يشكل مصدر قلق لبلد غني إذا استطاع أن يوفق بين أمرين مهمين هما الاستغلال الأمثل لموارده وتخطيطا سليما يحقق له ما يسعى إليه من أهداف تنموية، وتحوطا أكثر مرونة ضد أي مشاكل قد تطرأ مستقبلا، ومن دون شك أن أي خلل أو قصور كبير في إحداهما يؤدي لمشاكل اقتصادية واجتماعية قد يصعب حلها أو تستغرق وقتا طويلا للتغلب عليها، بل ربما تتطلب فاتورة ضخمة لمعالجة ذلك.
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن دول كانت في عداد الدول المتأخرة اقتصاديا واجتماعيا، وإذا هي اليوم يُشار إليها كنموذج يحتذي به في مجالات مختلفة على رأسها الجانب الاقتصادي، بل تحول بعضها من دول تعتمد على موارد طبيعية قد لا تفي باحتياجاتها إلى دول تعتمد اعتمادا كبير على الإنتاج الصناعي، فكانت محط أنظار المستثمرين ورؤوس الأموال، مما جعل لها مكانة اقتصادية جيدة، ومثال ذلك ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا.
وبمقارنة بعض المؤشرات الاقتصادية وفي مقدمتها الناتج المحلي الإجمالي لكل من (السعودية – تركيا – كوريا الجنوبية – ماليزيا)، والذي يبلغ عدد سكان كل منهم على التوالي (29 – 75 – 50 – 30 ) مليون نسمة، كما هو مبين في الشكل أدناه، نجد أن الاقتصاد السعودي كان متفوقا على الدول المذكورة حتى عام 1984، ثم حدث العكس إذا تحولت الكفة لصالح الاقتصاد الكوري والتركي وبفارق كبير جدا بالرغم أن تلك الدول ليست دول نفطية، والسؤال الذي نستشفه من ذلك، كيف استطاعت تلك الدول أن تحقق هذا المستوى من الفارق في الناتج المحلي الإجمالي رغم أن عدد سكانها يفوق سكان المملكة ؟
لو تتبعنا خيوط ذلك النمو والنجاح الذي تحقق لتلك الدول نجد أنها تشترك في أداتي استفهام واحدة “ماذا أريد، وكيف”، ذلك التساؤل جعلها تضع أهدافا تسعى لتحقيقها وفق استراتيجيات توظف ما لديها من موارد توظيفا أكثر كفاءة، نستطيع أن نطلق على ذلك في جملة واحة “التخطيط السليم”، فتمكنت من استغلال طاقات أفرادها، وسعت لتطوير قدراتهم، فجعلت منهم أعضاء مساهمين وفاعلين في اقتصاد بلدهم، ولم يكن عدد سكانها عبئا يحول دون نموها ، وتقدمها، بل تبوأت مكانة اقتصادية مرموقة، منافِسة في ذلك دولا سبقتها في التقدم الصناعي والتقني.
بقي أن أشير إلى ما يعتقده بعض الاقتصاديين من أن النمو السكاني في المملكة يعتبر من المعدلات المرتفعة عالميا، وقد يكون عائقا لتحقيق النمو، في أن المملكة حفظها الله تحتضن ما يقارب من 9 ملايين وافد، يشاركون المواطنين في الخدمات، إضافة إلى أنهم عبئا أكثر ضرر من النمو السكاني، والذي انخفضت معدلات نموه بشكل كبير، فالشكل أدناه يبين ذلك الانخفاض في معدل النمو السكاني في المملكة والذي قارب 1.89% عام 2013 ، في حين بلغ أعلى مستوى له عام 1982 بمعدل 6.35%.
الكثير منا يتساءل عن الأسباب التي أدت إلى ظهور بعض المشاكل الاقتصادية التي يعانيها اقتصادنا المحلي، كمعدلات البطالة العالية، وارتفاع تكاليف السكن، والقصور في بعض الخدمات، إضافة لتلويح سعر برميل النفط.
إن غياب التكامل فيما بين القطاعات الحكومية المختلفة، إضافة لقصور في استشراف التحديات المستقبلية، في ظل استراتيجيات غير واضحة المعالم لابد وأن تُحدث خللا يرى البعض من خلاله أن أفضل علاج لأي مشكلة تواجهنا أن نأخذ بالمثل القائل “آخر الدواء الكي”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال