3666 144 055
[email protected]
[email protected]
هذا ما يقتل أي مهنة على الاطلاق، مخاطر لا يمكن قياسها أو تجنبها أو حتى توقعها، مخاطر ليس لها أي سبب سوى ممارسة المهنة، هذا ما يمكن قوله بعد قرار لجنة منازعات الاورق المالية بخصوص تعليق التعامل مع مكتب ديلويت للمراجعة حتى يتم النظر في القضية. ومن اجل إيضاح هذا الموضوع بجلاء وهذا التطور الخطير الذي تعرضت له مهنة المراجعة في المملكة فلا بد من تقديم “ولو كان بسيطا” عن المخاطر والمسؤوليات في مهنة مراجعة الحسابات. فقد حددت معايير المراجعة مسؤوليات المراجع في تخطيط وأداء عملية المراجعة وفقا للمعايير المتعارف عليها مهنيا للحصول على تأكيد معقول ما إذا كانت القوائم المالية خالية من التحريفات الجوهرية سواء كانت ناتجة عن الخطأ أو الغش بينما حملت مسؤولية إعداد القوائم المالية على ادارة الشركة. فالمراجع مسؤول عن تطبيق معايير المراجعة للحصول على تأكيد معقول وليس “مطلق” عن خلو القوائم المالية من الخطأ و التحريف (الجوهري). ماذا نعني بالجوهري، هو التحريف الذي ولو علم به متخذ القرار لتغير قراراه بسبب ذلك.
اذا كانت هذه المسؤولية، فما هي المخاطر؟ المخاطر في مهنة المراجعة تنشأ من قيام طرف من الاطراف ذات العلاقة برفع قضية على المراجع للتعويض عن الضرر الذي لحق به، ويمكن رفع القضية امام مختلف أنواع المحاكم، فمثلا يمكن رفع القضية امام المحكمة العامة لطلب التعويض عن الضرر، او المحكمة التجارية، او لجان الفصل في المنازعات، وكل محكمة تنظر في الدعوى من جهة الاختصاص. ويحق “لأي طرف” رفع الدعوى سواء كان من أطراف التعاقد المباشرة (مثل إدارة الشركة ومجلس الإدارة، الجمعية العمومية)، أو كان طرفا ثالثا متأثرا والمراجع على علم به عن التعاقد (مثل البنوك مؤسسات والتمويل وهيئة السوق المالية ومصلحة الزكاة) أو طرف ثالث لكنه غير منظور للمراجع عن التعاقد لكنه تأثر بالمعلومات التي قدمها المراجع في تقريره ولو بعد حين مثل مستثمر قام بشراء السهم بعد التقرير، فهو لم يكن طرفا في التعاقد ولا هو منظور عند التعاقد من قبل المراجع. والشاهد ان أي طرف استفاد من تقرير المراجع وتأثر به واستطاع ان يثبت هذا فله الحق في مقاضاة المراجع عن اعماله.
هل هناك مهنة في العالم تتعرض لمثل هذه المخاطر القضائية؟ أي شخص قد يدعي بأنه تأثر من تقرير المراجع ويستطيع أن يرفع قضية بسهولة وفي أي محكمة. ومع ذلك قبلت المهنة بكل هذه المخاطر القضائية الناتجة عن المسؤولية على أساس ان المعايير المهنية هي محل الفصل، ولكن في كثير من الأحيان ترى المحاكم والقضاة ان المعايير غير واضحة وينتهي الحكم بوقوع المراجع في الإهمال وبالتالي عليه ان يدفع تعويضات. في المهنة هذا شيء متوقع، وتدفع المكاتب المهنية حول العالم تعويضات تصل الى مليارات الدولارات. ولذلك كثيرا ما نطرح في الجامعات ان المهنة تحولت من تأكيد المعلومات الى مجرد شركة للتأمين ضد مخاطر القرار، وهذا خلل خطير لا يمكن ان نسمح به.
في مقابل كل هذا تعاني المهنة ميدانيا من امرين معا، الأول هو الضغوط المتزايدة على انجاز الاعمال خلال وقت قصير، فالأسواق دائما جوعى للمعلومات، وتريد المعلومات بشكل مستمر وسريع، والإدارة هي المسؤول الأول عن اعداد هذه المعلومات، لكن الوقت لا يسمح للمراجع بأن يتأكد من كل صغيرة وكبيرة وصدق كل معلومة ترد، ولذلك اهتمت المهنة بالمراجعة المرتكزة على المخاطر، لكن هذا أيضا لا يمكنه ان يضمن تماما أن المعلومات التي قدمتها الإدارة صحيحة 100بالمائة ولهذا نستخدم مصطلح (تأكيد معقول). الثاني ان الاتعاب لا تغطي كل هذه المخاطر وكل هذه الجهود اتلي يقوم بها المراجع لفحص كل هذا التدفق الضخم من المعلومات والمنافسة كبيرة وعملية التسعير والمفاوضات حولها بائسة.
إذا كانت هذه هي المخاطر المهنية عالميا، والتي يجتمع حولها المهنيين في كل مكان وكل حين لمراجعتها وتقيمها، وفي ظل كل القيود المفروضة على المراجعة، وتعرض المراجع لمختلف التيارات والقوى التي تعبث به يمنا ويسار وهو لا يجد أي دعم حقيقي لاستقلاله مهنيا. فإن تعرض المهنة في المملكة – إضافة الى كل هذا – لمخاطر غير محدودة وغير منظورة وغير متوقعة من خلال إيقاف المراجع عن العمل والإيقاف الاحترازي والتشهير به بمجرد أن يرفع أي طرف قضية عليه بسبب اعماله المهنة، فإننا امام انكشاف هائل على مخاطر ستقتل المهنة تماما، وحتما. نحن مع التقاضي العادل، ومع ان يتحمل المراجع لمسؤولياته التي يستطيع تحملها، لكن هذا الانكشاف الخطير وغير المسبوق سوف يقع خارج التغطية تماما.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734