3666 144 055
[email protected]
إذا تركت الأسواق بدون أنظمة وقوانين تحميها فإنها تنزلق إلى ممارسات خاطئة، ومزالق ضارة، ينتهجها أرباب المال، والتجارة تحت تأثير قوة المال، وشدة المنافسة، وشره التجار؛ فتتآكل حرية المنافسة، ويظهر التضخم، ويختل ميزان السوق العادلة، وتتحكم فئة قليلة في مجتمع بأكملة؛ وهو ما يطلق عليه اصطلاحا (الاحتكار) وهو في شريعتنا الإسلامية كما قرره الفقهاء محدود: بحبس السلعة عن التداول في السوق، حتى تغلو أثمانها أما في علم الاقتصاد الحديث فهو: الحالة التي يكون السوق فيها عبارة عن شركة واحدة فقط تؤمن منتجا، أو خدمة إلى جميع المستهلكين؛
والمتتبع لممارسات الاحتكار يجد أنه وبرغم بساطة تعريفه إلا أنه من الخفاء بمكان؛ حيث يرى الاقتصاديون أن ظهوره بصورته الحقيقية نادر الحدوث، إن لم يك مستحيلا على مستوى العالم؛ ولذلك نجده ممارسات متداخلة وممتزجة بصنوف الأنشطة التجارية الطبيعية، ولا يمكن تتبعه، وإثباته إلا من خلال بعض المؤشرات الاقتصادية، والتي تختلف وجهات النظر الاقتصادية حيالها؛ فبعض النظم الاقتصادية تراه قوة اقتصادية مشروعة، وسبيلا يحفظ لها مكانتها، وكفاءتها، وقدرتها على التحكم في الظروف المختلفة، وفي مجابهة المنافسين الآخرين؛ وبالمقابل فهناك من لا يؤمنون به البتة، ويتبنون حرية المنافسة الكاملة؛
ومن هنا فإنه يمكن التفريق بين ما يمثل ثقلا اقتصاديا للدولة، ويؤثر بشكل مباشر على أدائها، وخططها؛ وبين ما يمثل شكل السوق التجاري داخل الدولة نفسها، ويؤثر بشكل مباشر على الأفراد، والأسر؛ والثاني هو المقصود، والمعني بموضوعنا.
لقد تنبهت المملكة إلى ضرورة إصلاح السوق الداخلي، فعمدت إلى إنشاء مجلس للمنافسة 2005م؛ والذي يستهدف بشكل محدد حماية وتشجيع المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة؛ كما أن الحكومة سعت إلى فتح المجال لشركات متعددة في كثير من الخدمات المحتكرة؛ إضافة إلى إقرارها للعديد من القرارات، والآليات التي تصب في الصالح العام للسوق بشكل عام؛ ولكن الملاحظ أن كل هذه الجهود لم تصل إلى دحر المحتكرين، ولم تستطع تنقية السوق من أدرانه؛
فلا يزال سوقنا يعج بالكثير من الممارسات الاحتكارية المؤذية؛ ومنها: توريد السلع وقصرها على شركات محددة؛ والسيطرة على أسواق الجملة؛ وتقديم نفس الخدمات بنفس السعر بين عدة شركات؛ وعدم التصريح لموردين جدد لنفس السلع؛ وحماية بعض الخدمات من دخول منافسين جدد؛ وإرساء المشاريع والتوريدات الحكومية على شركات محدودة؛ كما أن ثبات أسعار كثير من السلع مؤخرا، في ظل تأكيد انخفاض أسعارها من مصادرها؛ وفي ظل ارتفاع القوة الشرائية للريال السعودي لتعافي الدولار الأمريكي؛ إضافة إلى انخفاض أسعار النقل العالمي تبعا لانخفاض أسعار النفط؛ لصورة واضحة جدا عن الاحتكار، وعن غياب الرقابة الحكومية عليه؛ فإلى متى؟!
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734