3666 144 055
[email protected]
أتى خروج مطلق المريشد، واحد من ألمع الشخصيات في “سابك” ليصبح رئيس “التصنيع الوطنية الصغيرة” مقارنة لـ”سابك”، ليثير درجة من التساؤل حول طبيعة وحساسية إدارة التعاقب الإداري في المناصب القيادية لدينا. لم تكن “سابك” الأولى ولا الأخيرة، فشهدنا شركة الكهرباء تبحث من خارج الشركة، ثم لجأت إلى أحد المجربين في الشركة، ثم لجأت إلى من هو خارج الشركة. ولم يسبق لـ”الخطوط” أن تجهز أحدا لقيادة الخطوط لآخر ثلاثة على الأقل. وكذلك مؤسستا التأمينات والتقاعد لم تعد المؤهل وأحيانا حتى الصف الثاني في التقاعد، وليس كثير من الشركات العائلية في حال أحسن.
أتى خروج مطلق ليواكب التغيير الوزاري، الذي أيضا لفت نظري في غياب ترقي أي وكيل أو نائب (ممكن استثناء وزير النقل ولحد أقل وزير التعليم العالي)، علما بأن الوزارات أغلبها ذات طابع تكنوقراطي.
امتدت الإشكالية إلى شركة أرامكو؛ حيث بدا كأن السلطات تتركز في أيدي الرئيس التنفيذي لأسباب قد تكون موضوعية في أغلبها.
إشكالية التعاقب أحيانا أحد أعراض إشكاليات من نوع إداري أعمق ومختلف، لن نناقشها هنا لحصر الموضوع. الإشكالية عميقة في مضامينها؛ حيث تدل على غياب المنافسة الحقيقية، وأن العمق التكنوقراطي غير موجود على الأقل لما تنزل للمستوى الثاني والثالث ليغذي السلم الإداري، ويؤكد تواصل وتراكم المعرفة، وتجانس التغيرات المؤثرة في مسيرة كل الفعاليات. كما أن الإشكالية أكبر في أغلب الشركات الأصغر، ما يدل على عدم المرونة في توافر المعلومات الدقيقة عن القدرات البشرية، وضعف مجالس الإدارة.
مصدر الإشكالية يكمن في الطبيعة الخاصة للاقتصاد الوطني، حيث النموذج الريعي يفرض أسلوبا هرميا في الإدارة، ما يجبر الفعاليات (الشركات والوزارات والأفراد) على التكيف، يمتد هذا التكيف للفعاليات الخاصة، مسنودا بالطبيعة الفئوية أحيانا، وغياب الثقة أحيانا أخرى.
تأخذ الإشكالية مظاهر مختلفة بسبب الظروف الموضوعية في الأساس واختلاف الأشخاص ثانويا. فمثلا هناك أكثر من مصرف يقوم شخص “فرعوني” باستبعاد كل منافس محتمل، وتقريب من يعرف أنه غير مناسب ليحد من التعاقب أو اللجوء إلى عناصر أجنبية لإحداث فراغ هيكلي، ولم تقف الظاهرة عند المصارف. في السنوات القليلة الماضية، يأخذ الاعتماد على الأجانب زاوية إبداعية، حيث يلجأ البعض إلى الاعتماد على استشاريين أجانب (بعضهم خارج المملكة)، ووضع سعوديين في الواجهة. الأذى كبير من حيث إن هؤلاء لا يعرفون البيئة، والتكلفة عالية، ويأخذ فرصة العناصر الوطنية من المعرفة، ولعله الأهم في سلسلة التعاقب الإداري. أحد مظاهر الإشكالية الأكثر مكرا أن يلجأ البعض إلى توظيف منفذين غير واعدين للتحديات القيادية. للشركات العائلية زاوية أكثر تعقيدا، حيث إن فصل الملكية عن الإدارة يؤثر في التعاقب، كما أن حساسية التميز بين الإخوة والأجيال تحمل أبعادا أخرى. مسح المجتهد سيكشف جميع هذه المظاهر في أغلب الشركات والمؤسسات الحكومية ولو بدرجات مختلفة.
هناك أسباب كثيرة لهذا التطور غير الصحي، ولكن أهمها التفرد الشخصي في ظل غياب الحوكمة الفاعلة بعيدا عن المتطلبات الإدارية الشكلية التي تنتهي بتعبئة نماذج لا تسمن ولا تغني، التي تطلبها بعض الإدارات، أو هيئة سوق المال، أو مؤسسة النقد للمصارف. مجالس الإدارة في الأغلب ضعيفة؛ لأنها تمكن الفرعوني من تملك عصا المصلحة، ولذلك لا بد من تفعيل حقيقي وعميق للمؤسسات الرقابية. وهذا يجرنا إلى السبب الأخير ودور وزارة التعليم العالي، فالمراقب الناصح يعرف قلة المؤهلين أكاديميا من أفضل الأقسام في أعلى الجامعات الغربية، خاصة في درجة البكالوريوس الحاسمة في التكوين. مراجعة الخريجين وطلاب الابتعاث تزعج الغيور على وطنه، ناهيك عن طلاب الدراسات العليا وفن التهرب خاصة في القانون والاقتصاد دون تمحيص ولو نصف حقيقي من وزارة التعليم العالي، فمثلا يتهرب طلاب القانون من دراسة المحاماة إلى الدراسات القانونية. فمثلا قرأت عن أعلى 30 قسم اقتصاد في العالم، حيث لم يتخرج وزير أو وكيل وزارة أو مدير شركة أو أستاذ جامعي لدينا. في الأخير التأهيل والمنافسة هما صمام الأمان والدافع للرقي.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734