الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشكل المصروفات على التعليم 25 في المائة من ميزانية هذا العام، وعلى الرغم من أن أغلبها للتعليم العام إلا أن مصروفات التعليم العالي والبعثات عالية، كما أن هناك بعثات من مؤسسات شبه حكومية. بعد تعيين وزير تعليم عالٍ لعل من المناسب مراجعة تجربة برامج الابتعاث. منهجيا هناك صعوبة في تحليل الموضوع لأنه يلامس عدة زوايا يحاول البرنامج أن يتعامل معها. فالبرنامج أتى بقوة واندفاع ليعوض فترة غياب لمدة تزيد على عقدين وأتى ليتعامل مع حالة اجتماعية بعد تداعيات أحداث 11/09 وأتى ليسد النقص الحاد في طبقة تكنوقراطية ضعيفة في الأجهزة الحكومية خاصة مع الفرصة الاقتصادية للتوسع والنمو على أثر التحسن في أسعار النفط، كما بدا أن لدى الحكومة رغبة صحية في توسيع دائرة الفرص، كما أن هناك حاجة إلى الانفتاح على العالم ثقافيا وعلميا، وأخيرا يصعب تحميل البعثات تبعات التعليم العام. تشابك هذه الأهداف واختلاف درجة تحقيقها وضعف الفعاليات القائمة على إدارة البرامج وقوة تأثير العناصر السلبية في خطف الأنظار أسهمت مجتمعة في الحاجة إلى تسليط العدسة خاصة الاقتصادية على إدارة البرنامج لما له من أهمية.
العدسة الواسعة لا ترشد المراقب إلى موقف ضد الابتعاث، لكنها ترى أشياء غير صحية ومكلفة وتحمل رسائل ضارة، ولذلك وجب توظيف عدسة أكثر دقة وتمحيصا. لب الإشكالية أن الربط بين التكاليف الاقتصادية والاجتماعية والمخرجات يصعب تحجيمه -بمعنى أن الموارد المالية وسقف التوقعات لدى أصحاب العمل أو أهل الخريج لا تتناسب مع جودة المخرجات أفقيا ورأسيا- أفقيا من حيث نوعية التخصصات المطلوبة ورأسيا من حيث كفاءة التحصيل لأعداد مؤثرة. الطالب السعودي ذكي بالفطرة ولذلك استطاع التكيف مع وسط رقابي لا يتساءل كثيرا، فحين تكون الوزارة والملحقيات التعليمية خاصة في حلقة التواصل الأخيرة مع المبتعث ضبابية العدسة تكون النتيجة خليطا غريبا غير متجانس ومكلفا وأحيانا يحمل أضرارا. تقليص الابتعاث رد فعل بيروقراطي لكنه قد يكون مهربا من الدقة والتمحيص والتمييز، فحين لا تفرق الوزارة بين من يدرس التسويق في جامعة من المستوى الخامس في أمريكا وبين من يدرس الهندسة في جامعة من الصف الأول أو الثاني فإن الوزارة والملحقية لا تقومان بعملهما مهما سوغنا الأسباب والأعذار. هل الوزارة غافلة عن المئات الذين يسعون إلى دراسات قانونية أغلب طلابها أجانب وليس لدراسة المحاماة والكفاءة المهنية لممارسة المحاماة؟ هل الملحقية لا تعرف عن أفضل أقسام الاقتصاد وإدارة الأعمال في أمريكا؟ وكيف تحفز وترشد القادرين على المنافسة -المنافسة وحدها تظهر الأفضل فينا-. العيوب واضحة حين يكون هناك الآلاف من طلاب يتخرجون وبعد الدراسة لسنوات لا يستطيعون كتابة عدة صفحات ترتقي للمستوى المتوقع أسوة بقرنائهم من دول كثيرة. هل يغيب عن الوزارة أسلوب التعليم العالي البريطاني الذي لا يتناسب مع طبيعة الرغبة السعودية في التهرب من الاختبار الأكاديمي من خلال بوابة البحث الحر وما يحمل من مخاطر انتهت بتسرب من جامعات أمريكا إلى بريطانيا؟ هل الوزارة تجهل طبيعة السعوديين أم أن المشرفين من المدرسة نفسها؟ لا أجد عذرا للوزارة أن تستثمر مليارات الريالات ثم لا تستثمر في جهاز على درجة من الكفاءة والعمق والتمحيص والتخاطب مع أفضل الجامعات والأقسام والمتابعة والتحفيز والعقاب. القيادة تأخذ بمبادرة رائعة ولكن جهاز الوزارة يخذل الجميع. ليس من المبالغة القول إن نجاح البرنامج تعبير عن نجاح التنمية والعكس صحيح. عندما يكون الحديث عن التنمية سرعان ما يشعر مخاطبكم في التذكير بأهمية التعليم، ثم يردف قائلا إن الإعداد الأكاديمي ليس الأهم! لا تعرف هل هذا دفاع شخصي أم جهل بدور نخبة تنافسية أو حالة ضعف عام؟
ما الحل؟
بعثات الدراسات العليا خاصة تهدف لإعداد كوادر تدير الوزارات وأهم الجهات الحكومية والجامعات والبحث العلمي. هناك حلول شاملة مثل عدم ضم الأغلبية على أن تكون المنافسة واضحة ومتغيرة ومنفتحة الذهن، فمثلا من يستطيع دراسة الرياضيات “البكالوريوس” في جامعة من الصف الأول أفضل من يدرس دكتوراة في الإنسانيات من جامعة متواضعة مهما أبدى من قدرات تلميعية وما أكثرهم أو من ادعى دراسة علوم الحاسب بينما يدرس تبويب معلومات. ليس هناك صعوبة في التقدير للتخلص من أضعف 20 في المائة من الطلاب ورعاية خاصة لأعلى 5 في المائة، حيث إن آلية الثواب والعقاب لا بد أن تكون واضحة مهما تعودنا عليه من حالة التكيف المجتمعي. كما أن دراسة اللغة في معاهد تجارية أثبتت فشلا مروعا للأغلبية ولذلك لعل الأحرى أن تدرس اللغة في المملكة إلى مستوى معين وأن تكون حافزا لمن يرغب في التعليم فمثلا قد تسند اللغة وبعض المواد التأسيسية إلى معاهد في المملكة. كما أن على الوزارة التواصل مع جامعات رئيسة لمساعدة البعض في القبول.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال