3666 144 055
[email protected]
شهدت الفترة الماضية تقلبات شديدة في أسعار النفط وانخفاضا كبيرا بلغ نسبة تفوق 40 في المائة، وانتابت الأسواق الخليجية تقلبات كبيرة جدا بسبب الانخفاض في أسعار النفط، وعدم وجود دلائل أو مؤشرات تدل على أن الأسعار ستتحسن في المستقبل القريب للوصول إلى مستويات جيدة، هذه الأسعار أثرت بصورة كبيرة في المنتجين في دول الخليج وغيرها من دول العالم التي تعتمد بصورة كبيرة في دخلها على النفط، كما أن هذه الدول تتفاوت في مستوى تحملها لهذا الانخفاض الكبير في الأسعار، فبعض هذه الدول خصوصا دول الخليج لديها فوائض في السابق واحتياطيات جيدة تمكنها من تحمل الانخفاض لفترة أطول وبمستويات للأسعار منخفضة نوعا ما بسبب وجود الفوائض التي تراكمت لديها في الفترة الماضية إضافة إلى استثمارات دول الخليج باختلافها وتنوعها يمكن أن تستفيد منها عند الاحتياج.
هذه المعطيات السابقة جعلت الكثير يخمن عن دوافع هذا الانخفاض، وعدم وجود ردة فعل، خصوصا من دول الخليج للحد من هذه الانخفاضات الشديدة بهدف السعي إلى تحسين أسعار النفط، وزيادة مدخولات تلك الدول، والنقاش يوجه بصورة أكبر إلى السعودية التي تعتبر المصدر الأول للنفط الخام، وأحد كبار المنتجين للنفط في العالم. والبعض يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يجعل التقلبات السياسية في المنطقة هي ما دفعت المملكة إلى اتخاذ قرار يتسبب في انخفاض الأسعار للإضرار ببعض الدول كوسيلة ضغط للتأثير في قراراتها السياسية، واضطرارها إلى التخفيف من دعمها للجماعات المسلحة التي تتخذ القوة أداة لانتشارها وفرض قراراتها كما هو حاصل في سورية واليمن حاليا.
في المقابل يرى البعض أن هذا القرار اتخذ بغرض الضغط على الشركات المنتجة للنفط الصخري، حيث إن انخفاض الأسعار سيتسبب في خسائر كبيرة على الشركات التي تنتج النفط الصخري وهذا يحد من طموح هذه الشركات في التوسع في الإنتاج ومنافسة مصادر الطاقة التقليدية، والبعض يريد أن يجمع بين هذا وذاك، حيث تكون الإصابة لهدفين برمية واحدة. ومن المؤسف أن هذه النظرية أصبحت تلقى قبولا إلى درجة أن هناك قناعة لدى البعض غير قابلة للنقاش بأن تقلبات أسعار النفط وانخفاضها مؤامرة سعودية للحد من طموح بعض الدول التوسعي أو توسع نفوذها في المنطقة، إلى درجة أن البعض أصبح يتداول بعض التقارير التي تتحدث عن المملكة بأنها تحكم العالم من خلال تحكمها في أسعار النفط.
هل منطق المؤامرة موجود فيما يجري حاليا على أسعار النفط؟
المراقب والمتتبع لتصريحات المسؤولين في المملكة خصوصا وزير البترول لا يجد ما يدل على ذلك، بل نتائج اجتماع “أوبك” الأخير نتج عنها اتفاق على إبقاء أسعار النفط كما هي دون نقصان، ومن ضمن دول “أوبك” دول خليجية وإيران ولم تتقدم أي دولة بالتضحية لتخفيض حصتها لدى “أوبك” في سوق النفط، بل تم الاتفاق على إبقاء الحصص وحجم الإنتاج دون تغيير، كما أن الغريب أنك تجد روسيا ـــ وهي من خارج دول “أوبك” ـــ التي تدعي أنها تتضرر من الانخفاض في أسعار النفط، تشير تقارير إلى أنها زادت في حجم إنتاجها من النفط، كما أن الاحتمال الآخر وهو الضغط على شركات إنتاج الغاز الصخري قد يكون من الصعب القبول به، إذ إنه يؤول إلى التأثير في العلاقة بين المملكة ودول رئيسة في العالم بصورة سلبية مخالفة للسياسة العامة للمملكة التي لا تتخذ النفط سلاحا للتأثير في الآخرين، ولم يشهد التاريخ إلا مرة واحدة بسبب قضية فلسطين بعد كثير من النقاش والمفاوضات صراحة مع من كان سبب استمرار الاحتلال لهذا الجزء العزيز والمهم في خريطة عالمنا الإسلامي والعربي. ما يؤكد أن المملكة لم تتخذ ذلك أسلوبا للتأثير سياسيا هو أنها لم تتخذ قرارا بزيادة إنتاجها من النفط بل حافظت على حجم الإنتاج وحصتها المتفق عليها فيما بينها وبين مجموعة دول “أوبك”.
فالخلاصة أن النفط سلعة تتأثر بالمتغيرات الاقتصادية، فكما ارتفع كثيرا لأسباب محددة في حينها فإن الانخفاض وارد في حال تبدلت الأحوال، والكلام على نظرية المؤامرة لأهداف سياسية أو اقتصادية لا يستند إلى أساس مباشر أو غير مباشر، وترويج مثل ذلك يمكن أن تكون له آثار سلبية في المملكة في علاقاتها مع دول منتجة أخرى في العالم تتمتع معها المملكة بعلاقات ممتازة.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734