3666 144 055
[email protected]
ما دور ومستقبل النفط الصخري في عالم الإنتاج النفطي؟ ولماذا نخصه بهذا الاهتمام الزائد على اللزوم دون غيره من المصادر النفطية غير التقليدية، ونعتبره المنافس الأول والأكثر خطورة على مستقبل إنتاجنا؟ أو هكذا يعبر عنه كثير من الكتاب والمحللين. ونحن نخشى أن يكون هناك قصور في فهم طبيعة تكوين النفط الصخري وإمكاناته وتحديات إنتاجه. فعلى الرغم من أن ظروفا إيجابية كثيرة ساعدت على إنتاجه في الولايات المتحدة، وبتكلفة تزيد كثيرًا على معدل تكلفة إنتاج النفط التقليدي، إلا أن الكثيرين لا يدركون كون إنتاجه خارج أمريكا الشمالية يحتاج إلى جهد كبير وتكلفة مضاعفة. فلماذا الإصرار على فهم هو أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب؟ لا يتحدثون عن النفط الرملي الكندي وهو شبيه بالصخري وحديث الظهور. ولا يذكرون إنتاج عشرة ملايين برميل من روسيا. لقد وصل إنتاج النفط الصخري في أمريكا إلى ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل. ولكن ذلك كلف أموالا طائلة وجهدا مضنيا وتسهيلات لا تتوافر في أي دولة أخرى. وتشغيل أكثر من ألف وخمسمائة جهاز حفر على مدار السنة والساعة، وعشرات الألوف من الأيدي البشرية المدربة والجاهزة. وهذا مما ينفي إمكانية إنتاجه في الوقت الحاضر في أي مكان في العالم خارج أمريكا الشمالية، إلا عند مستوى سعري مرتفع قد لا يتحقق خلال السنوات القليلة القادمة.
ولكن ليس هذا هو محور حديثنا في هذا المقال. فالذين يكتبون ويتحدثون عن الإنتاج الصخري بقصد التحذير منه والتخويف من سيطرته على السوق النفطية، وخصوصًا على مستقبل إنتاجنا، لا يوضحون الإجراءات التي يجب علينا كمنتجين اتخاذها من أجل تفادي هيمنته على مصدر دخلنا. ولا نظن أن لديهم ما يقترحونه في هذا الشأن. فإنتاج النفط الصخري المكلف أصبح اليوم حقيقة لا مراء فيها، ولا مجال لإنكاره ولا لإيقافه. ولجعل الأمر أكثر وضوحًا، سوف نستعرض بعض العوامل التي من الممكن وغير الممكن استخدامها للحد من تطور إنتاج النفط الصخري، داخل أمريكا وخارجها إن نحن أردنا ذلك. وهي جميعها غير عملية ولا منطقية.
فمن المستحيل أن نطلب من الأمريكان الكف عن إنتاج النفط والغاز الصخري. فهذا من صميم شؤونهم ولهم كامل الحرية في إنتاج ما يشاؤون وبقدر ما يشاؤون. وإن كنا نحن نعلم مدى قدرتهم القصوى، التي قد لا تصل إلى ستة ملايين برميل قبل أن يبلغ الإنتاج ذروته خلال بضع السنوات القادمة. وهذا قولهم وتقديرهم وليس من عندنا. الأمر الآخر هو أن نرفع إنتاجنا إلى مستويات قياسية، قد يبلغ خمسة عشر مليون برميل في اليوم لسد الطريق أمام الصخري. ولكن ذلك سيكلفنا مبالغ خيالية ويدمر مستقبل حقولنا ويدني من عمرها ولا يستمر أكثر من سنوات معدودة. وسوف يكون أيضا سببًا لتكدس فوائض أموال كبيرة لسنا بحاجة إليها اليوم، وقد لا يكون بإمكاننا ولا مقدورنا المحافظة عليها واستغلالها بطرق مثالية. ثم لا يلبث أن يعود بعدها الصخري إلى سابق عهده، بعد أن نكون قد استنزفنا كميات هائلة من ثروتنا النفطية. أما الإجراء الثالث للحد من ارتفاع إنتاج الصخري الأمريكي، فيتمثل في بيع نفطنا بأسعار متدنية جدّاً لسحب البساط من تحت منتجي النفط الصخري مرتفع التكلفة. ولكن هذا التصرف أيضا سيكون أقرب إلى الحماقة منه إلى منطق العقل والتصرف السليم.
وإذًا، فليس بإمكاننا عمل أي شيء ضد إنتاج النفط الصخري، وهو ما يلغي أي مبرر للدعوة إلى الحذر واتخاذ الحيطة من أمر واقع. ونخشى أن تكون هذه الضجة المفتعلة ضد إنتاج النفط الصخري، هي نتيجة لعدم فهم بديهيات الإنتاج النفطي بوجه عام، والصخري بوجه خاص. فلماذا تركيز التحذير من النفط الصخري دون أن يتحدثوا عن النفط الرملي الكندي الذي بلغ إنتاجه اليومي أكثر من مليوني برميل، وهو في ارتفاع مستمر ولا يحتاج إنتاجه إلى حفر آبار، كما هي الحال مع النفط الصخري؟ وروسيا تنتج ما لا يقل عن عشرة ملايين برميل، نسبة كبيرة منها للتصدير. ولا أحد يذكر أنها تهدد إنتاجنا ومورد دخلنا، كما ينسبون ذلك للصخري. فما بالك إذا أضفنا أن إنتاج النفط الصخري هو وليد ظروف ووقت يتطلب وجود مصادر جديدة من غير النفط التقليدي، بصرف النظر عن نوعها وموقعها وتكلفتها. فقد أصبح إنتاج النفط التقليدي، الذي لا يزال ينعتونه بالنفط الرخيص، لا يفي بمتطلبات المجتمع الدولي. فالإنتاج العالمي اليوم من النفط الخام التقليدي والمكثفات الغازية، باستثناء النفط الصخري و النفط الرملي، أقل من ثمانية وثمانين مليون برميل في اليوم. مع العلم أن جميع الدول المصدرة للنفط تنتج الآن بكامل طاقتها. بينما الطلب العالمي قد تجاوز ثلاثة وتسعين مليون برميل. ولذلك فمن الضروري ملء هذه الفجوة بين العرض والطلب، وإلا لكان ذلك سببًا مباشرًا لارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وأعلى بكثير من تلك التي كانت سائدة حتى منتصف عام 2014. أو أن نضطر نحن في السعودية، بحكم كوننا المنتج المرجح، إلى رفع إنتاجنا إلى مستوى مرتفع لا يخدم مصالحنا المستقبلية، من أجل تلبية الطلب العالمي المتصاعد.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734