الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إستبشر الناس أيما إستبشار بقرار مجلس الوزراء القاضي بإقرار رسوم الأراضي ، هذا القرار الذي جاء في سياق الحلول الإسكانية للمواطنين . فرحة أكثر الناس كان قائماً على فرضية أن الرسوم ستخفض أسعار الأراضي لتكون في متناول المواطنين من الباحثين عن سكن مناسب لهم في وطنهم . لن أدخل في جدل حول تأثير اقرار الرسوم على أسعار الأراضي ، لإن هذا الجدل يبدأ ولا ينتهي لسبب وحيد وهام ؛ وهو أن الحديث عن أثر إيجابي أو سلبي لهذا القرار حول الأسعار هو توقع سابق لأوانه ، وتكهن لا يستند الى أساس ، بسبب الضبابية الكثيفة حول تفاصيل القرار ، وآليات التنفيذ ، وتوصيف الأراضي البيضاء ، وقيمة الرسوم المفروضة ، والبرنامج الزمني للتطبيق ، وإمكانية تحقق ذلك كله في ظروف طبيعية وصحية للسوق . لمصلحة ملف الإسكان ، وطلب المسكن المستحق لكل مواطن ، فإن إغلاق هذا الملف يعتبر من أولويات الحل ، ليس بسبب التوقعات لمفعوله السحري والعجيب ؛ ولكن لإنه يذكرني بمسمار جحا والذي يعلق عليه مسئولي ملف الإسكان تقاعسهم في ايجاد الحلول ، فإذا ما تم إقرار الرسوم سنجد أنفسنا مضطرين للبحث عن الحلول الطبيعية والمنطقية لحل مشكلة الاسكان والتي يشتكي منها أغلب المجتمع . وقد اكتوى من ملف الاسكان المستثمرين في القطاع العقاري مثلهم مثل المواطنين الباحثين عن سكن ، ففشل الجهات الحكومية في حل احجية الاسكان تم على إثرها تجييش وسائل الإعلام لإتهام العاملين في القطاع بكل التهم السائدة في قاموس الادعاء العام ، وقد يكون بعض هؤلاء يستحق ما قيل فيهم ، ولكنهم أقل القليل ، فتهمة الاكتناز والإحتكار تنطبق على بعض الإقطاعيين من العقاريين ، وأغلب هؤلاء المكتنزين ممن حصل على أراضيه بالإقطاع ، بينما الكثير من العاملين في القطاع يستحقون التقدير على مساهمتهم في حلول مشاكل الإسكان أياً كانت مواقعهم من مطورين ومسوقين ومقاولين .. الخ . معضلة ملف الإسكان كما يراها الكثير ، هي الأراضي البيضاء داخل المدن ، خاصة تلك الأراضي بعشرات الآلاف من الأمتار ومئاتها وملايينها ، ولكن هل تأخر البناء على هذه الأراضي سببه الملاك فقط؟ أم جهات أخرى تنظيمية تُعقد إجراءات التخطيط والتطوير مثل وزارة البلديات والأمانات التابعة لها والهيئات العليا لتطوير المدن؟ لو رجعنا للخلل الحقيقي لوجود هذه الأراضي البيضاء ، لوجدناه في أصل مشروعية منح هذه الأراضي لملاكها ، فيما يزيد عن ما هو مناسب للسكن!! والأصل أن يتم إعادتها إلى أملاك الدولة لتتولى التصرف فيها بوجهها الصحيح . وعلى أضعف الأحوال لو طبقنا عليها أحكام إحياء الأرض لوجدنا أن الأرض المحياة بالزراعة يسقط حق التملك عليها إذا لم تزرع ، والأراضي السكنية أولى بالتطبيق ، فإن كانت الأرض ممنوحة ولم يتم تخطيطها وتطويرها والبناء عليها خلال مدة محددة فيجب أن تسحب من الممنوحة لهم ، وفي رأيي أن هذا سيحدث نقلة كبرى في ضخ الأراضي الصالحة للسكن في وسط المدن أو ضواحيها ، وسيعيد الكثير من أراضي المنح لأملاك الدولة لتعيد التصرف فيه وفق المصلحة العامة . السؤال الهام الذي يبحث عن إجابة ؛ اذا لم يتم حل معضلة الأراضي البيضاء !! أو تأخر هذا الحل !! حتى لو كان الحل في إقرار الرسوم وهو حل يتوقع لو تم أن يتأخر تحقيق نتائجه ؟ أين يمكن أن يكون العلاج أو بعضه ؟ دول عديدة حول العالم تواجه نفس الإشكاليات ، وهي ارتفاع أسعار الأراضي داخل المدن ، وبالتالي ارتفاع قيمة المسكن ، كانت الحلول دائماً تركز على بناء ضواحي متكاملة خارج المدن ، وهي تجارب مطبقة حولنا في الامارات ومصر وتركيا . وبناء الضواحي حول المدن يحتاج شراكات استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص ، ويحتاج إلى سرعة وديناميكية ومرونة عالية للجهات المعنية ، في توصيل الخدمات وتجهيز البنى التحتية والتخطيط والرخص وتوفير فروع للأجهزة الحكومية الرئيسية .. الخ ، وهذا كله أيضاً قد لا يحل مشكلة الإسكان !! جميع الحلول المقترحة ستقلل من تعقد المشكلة ، لكنها لا تنهيها !! فجزء من حلها لن يتم إلا بتغيير ثقافة المواطن ، خاصة في مفهوم الادخار وتطبيقاته ، والتي للأسف تصب في سياق المثل الشعبي ” إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ” ، وعادة الإقتراض الذي أصبحت جزء من حياة الكثير من المواطنين ، حتى وصل بنا الإقتراض لقضاء الإجازة والسفر والإستمتاع وشراء السلع التكميلية والترفيهية .. الخ . الخيارات المتاحة لحل مشكلة الإسكان كلها واردة ، ومهم تطبيقها ، ولكن يجب ألا يعول على قرار واحد أن يكون بمثابة “عصا موسى” ، حلول الإسكان تحتاج إلى حزمة جريئة متزامنة من القرارات والتطبيقات والخطط والحلول غير التقليدية ، وكثير من الحلول تحتاج إلى رجال ، وتحتاج هذه الحلول إلى الإرادة والإدارة لتطبيقها ، مثل إستعادة أراضي المنح !! والتي لم يتم تخطيطها وتطويرها والبناء عليها حتى الآن ، ومثل بناء الضواحي السكنية المتكاملة خارج المدن ، ومثل تأسيس بنوك خاصة للإسكان ، والأهم التيسير لإنهاء إجراءات التخطيط والتطوير ، والدعم المطلوب في تأسيس البنى التحتية المطلوبة للتطوير . ختاماً .. القلق الأكبر الذي تسببه لي الرسوم ؛ هو أنها قد تكون مقدمة وبداية لتطبيق سلسلة تبدأ ولا تنتهي من الضرائب على المواطن ، وسنجد آنذاك من يدافع وينافح عن أسباب ومبررات هذه الضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة بحجة المصلحة العامة التي لا يراها إلا هُم . القاسم
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال