الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
عندما أعلنت أنني سأكتب جزءا ثالثا في هذه السلسة، سألني أحد زملائي عن سبب انشغالي بالموضوع وتضييع وقتي به، حسب تعبيره. أجبته بأني مستمر في الكتابة عن هذه الفئة لسببين. أولهما أنني أعتبره يخص الجانب التوعوي المطلوب من أي شخص اقتصادي يتعاطى الإعلام، أي أن كل من يظهر في الإعلام مرئيا أو مكتوبا، عليه أن يخصص جزءا مهما يخص التوعية الاقتصادية والمالية. أما السبب الثاني، فهو أنني ومنذ نشرت الجزء الأول لاحظت تفاعلا جيدا مع الموضوع و بدأ الكثير يسلط الضوء على محللين من الفئة التي أكتب عنها. بمعنى آخر، بشكل غير مباشر أصبح الناس يستدلون على أشخاص من الأفضل عدم متابعتهم.
بصراحة وشفافية، عندما كتبت المقالين السابقين، كنت أتحدث بشكل عام عن صفات من وصفتهم بالتفاهة في التحليل ومن اعتبرتهم مضللين، إلا أنني بعد ذلك بدأت بمراقبة بعض الأسماء التي وردتني من المتابعين وهي أسماء كثيرة. لفت نظري عند معظم تلك الأسماء صفة مشتركة، وهي النرجسية. النرجسية في اللغة تعني حب النفس، وهو اضطراب في الشخصية حيث تتميز بالغرور، والتعالي، والشعور بالأهمية ومحاولة الكسب ولو على حساب الآخرين (التعريف من ويكيبديا).
كنت أجري بحثا بكل اسم يردني على تويتر لأرى ما يكتب الناس عن ذلك الشخص، وأحد الأسماء فاجأتني نتائج البحث عنه. كانت معظم التغريدات التي ظهرت في البحث تحوي اسم المحلل تغريداته هو، أي أن أكثر من غرد بتغريدات فيها اسم المحلل هو المحلل نفسه. تنوعت تغريداته من فلان قال لكم و أنتم لا تعرفون من يكون فلان وسترون ما يفعل فلان. المفارقة أنه يذكر اسمه عند الكتابة بدلا من استخدام ضمير المتكلم. أيضا بكل صراحة، استفزتني طريقة كلام هذا الشخص، فذهبت للبحث عن مؤهلاته وخبراته. وجدت أشياء متناقضة لا تعني شيئا. لم أتوقع من شخص يذكر اسمه عندما يتكلم عن نفسه أن يحمل شيئا مميزا.
في نتائج البحث عن الأسماء الأخرى، قلّت النرجسية لكنها لم تختفي. ترى محادثات بين متابع ومحلل، وعندما تزيد الأسئلة ويُحرَج المحلل يبدأ في استخدام ردود من نوع “اقرأ تغريداتي قبل السؤال” و ” يجب عليك أن تتعلم قبل أن تسألني” و ” جاوبت على هذا السؤال ألف مرة”. وهنا ممكن إضافة صفة قلة الأدب مع صفة النرجسية.
لا يمكننا إجبار اي كان على الإجابة على الأسئلة والتواصل مع المتابعين، لكن اذا أجاب عليه أن يكون محترما مع من قدره وسأله لاعتقاده أن المحلل يملك الخبرة. يمكنه أن يتجاهل الأسئلة ولا يجيب عليها، لكن التقليل من السائل بسخرية ليس من صفات المحللين الكبار والمحترمين. تويتر مليء بالمحللين والخبراء. المتمكن منهم تجده يجيب أحيانا ويتجاهل مرات أخرى، لكنه اذا أجاب يرد بكل احترام وتواضع.
اذا عدنا الى تعريف النرجسية، فهذه الفئة تبحث عن التقدير والمكانة الاجتماعية والمهنية من خلال ممارسة التحليل والتضليل. اذا أصاب توقعه ملأ وسائل التواصل به وإذا أخطأ تجاهله وإن سئل عنه رد بقلة أدب. لا شك أنهم لا يحصلون على التقدير الكافي فيحاولون من خلال الاسواق المالية الوصول الى قيمة عند الناس. غالبا سنجد هذا النوع النرجسي لا يشغل منصبا مهما ولا يدير أي محفظة استثمارية. كل إنجازاته التي يتغنى بها كلمة قالها هنا وتوقع أصاب بالصدفة هناك.
من ضمن بحثي أيضا راجعت بعض ما تكتبه تلك الأسماء. معظمه إما مترجم من لغات أخرى أو مسروق من مواقع الكترونية وليس صعبا الوصول لتلك النتيجة لكن غالبيتنا تثق بمن يكتب ولا تبحث. أحد هؤلاء كان ينتقد نظرية معروفة جدا في علم الاقتصاد واستفاض في الانتقاد. من لا يعرف في الاقتصاد سيعتقد أن الكاتب مطلع ومفكر اقتصادي عظيم، بينما الحقيقة أن هناك كتاب كامل في انتقاد تلك النظرية، اقتبس منه صاحبنا أجزاءا ونسبها لنفسه باعتباره مفكرا اقتصاديا.
لا أعرف محللا مرموقا يتحدث عن نفسه ويبجل في كلامه. فهو إما له قيمة تتحدث عنها الناس، أو صاحب منصب اقتصادي مهم أو ذو ثروة حققها من تداولاته الشخصية الحقيقية. أكرر: تداولاته الشخصية الحقيقية، وليس تداولاته الوهمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال