في إجتماع لجنة المراجعة لإحدى الشركات المساهمة يعلق المحاسب القانوني تعليقاً غريباً لم نتعوده ، فيقول :“هذا الإجراء لحمايتنا“ ، لم يكن ذلك التعليق متعارفاً عليه من قبل !!
في مثل هذه الفترة من كل عام تطلب الشركات بجميع أصنافها عروضاً لمراجعة الحسابات ، هذا العام الوضع مختلف !! حيث تفاجأت الشركات بإعتذارات لبعض المكاتب بحجة الإنشغال وإزدحام الأعمال !! وعند تلبية الطلب تكون المفاجأة في زيادة أتعاب المحاسبين القانونيين بما يقارب الضعف خلال أقل من عام !!
لم يكن السبب هو قيام هيئة المحاسبين القانونيين بإرسال تعميماتها للمحاسبين بمضمون مجملة يركز على أهمية جودة العمل والتوثيق والإستعداد للتفتيش !!
ذلك كله في تقديري نتج من آثار التعميم الأشهر في تاريخ مهنة المحاسبة في المملكة ، الذي أوقفت بموجبه هيئة سوق المال التعامل مع شركة ديلويت للمحاسبة وشهرت بإثنين من الشركاء العاملين فيها كنتيجة لتداعيات ازمة الإكتتاب في شركة المعجل ، وبالتالي منعت الهيئة الشركات المدرجة والشركات المرخصة من الهيئة من التعامل مع ديلويت حتى الإنتهاء من نظر القضية .
قضية أخرى زلزلت السوق السعودي أيضاً ، هي قضية موبايلي ، والفضيحة التي حدثت في حساباتها ، وأربكت السوق السعودي كله ، ودحدرت بسهم الشركة إلى معدلات غير متوقعة ، وحولت الشركة من أحد نجوم السوق إلى شركة تحولت إلى فضيحة ، وكان كل شيء يدور حول إدارة الحسابات والمحاسب القانوني والمراجع الداخلي .
اليوم المحاسبون القانونيون ”غير“ الأمس ، فقد أصبحوا أكثر حذراً ، أكثر خوفاً ، أكثر تكلفة ، أقل مهنية ، ليس بسبب إيقاف ديلويت !! ولكن بسبب عدم عدالة قرار الإيقاف ، هذا ليس رأيي ولكنه رأي كثير من العاملين في قطاع المحاسبة القانونية ، وهو رأي يتبناه أيضاً أبرز منافسي ديلويت ، والذين يفترض أنهم أكثر المستفيدين من إيقافهم .
قد يرى البعض إن من حق هيئة سوق المال أن تفرض من القرارات ما يناسبها فيما يخص الشركات الخاضعة لها ، ومن ذلك الثقة أو عدم الثقة في الجهات الإستشارية التي تلجأ لها الشركات الخاضعة لها ، شمل تعميم الهيئة الشركات المساهمة المدرجة في سوق المال ، إضافة إلى الشركات المرخصة من هيئة سوق المال .
ولكننا اليوم أمام مفترق طرق صعب ، لا يمكن إتخاذ قرار بشأنه بسهولة ، الشق الأول منه يتسائل عن ماهية الشركات التي تخضع لرقابة وسيطرة هيئة السوق المالية ؟ وتقع تحت إشرافها ؟ وهل هيئة السوق مسئولة عن الشركات المرخصة من قبلها فقط ؟ أم هي مسئولة أيضاً عن الشركات المرخصة أيضاً من وزارة التجارة وتم إدراجها في سوق المال؟
الشق الثاني منه يطرح سؤالاً أكثر حرجاً ووضوحاً ؛ وهو هل لهيئة سوق المال الحق في طرح الثقة وإهدار سمعه المحاسب القانوني الذي تم ترخيصه من وزارة التجارة ، وتراقب أدائه هيئة أخرى مشهود لها بالمهنية والإستقلالية وهي هيئة المحاسبين القانونيين؟
إن تعميم هيئة سوق المال الذي حذر الشركات من التعامل مع شركة ديلويت ، هو بمثابة قرار تصفية لشركة المحاسبة ، وإعدام مهني لمستقبل الشركاء المذكورين في التعميم . ليس بسبب تضرر الإيرادات فقط ، ولكن بسبب إنهاء السمعة والمصداقية .
هل يحق لهيئة سوق المال إتخاذ مثل هذا القرار ؟
قرار إيقاف ديلويت صدر من الهيئة قبل إنتهاء التحقيقات ، وقبل إدانة الشركة رسمياً ، وقبل صدور حكم قضائي يعتبر سابقة في تاريخ الهيئتين سوق المال والمحاسبين القانونيين .
وكون التعميم صادر بناء على قرار لجنة الفصل في الأوراق المالية ، لا يعني شيء ، فلجنة الفصل في الأوراق المالية جزء من منظومة هيئة سوق المال وتخضع لإشرافها ويتم تعيين أعضائها من قبل مجلس إدارة هيئة السوق المالية ، وبالتالي فإن القرار قد وقع في فخ توحد الخصم والحكم !!
ويرى الكثير من المراقبين بإن هيئة سوق المال تذر الرماد في العيون ، بإبعاد التهمة في قضية المعجل عن نفسها ، لتوقعها على غيرها ممن تصادف وجوده في مسرح الجريمة آنذاك ، وإلا فإن السؤال الأهم لماذا المحاسب القانوني وليس المستشار المالي المرخص من الهيئة والذي أشرف على الطرح آنذاك !!
ماذا سيكون موقف هيئة سوق المال والجهات ذات العلاقة فيما لو تمت تبرئة ديلويت كلياً أو جزئياً !! وهل التعويض لو تم ، ومهما كان حجمه سيعوض ولو جزء بسيط من خسائرها المعنوية !!
وبقدر عجبي من قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ، فإني أعجب من صمت هيئة المحاسبين القانونيين ووزارة التجارة ، وهما الجهتين المعنيتين بالترخيص للمحاسبين القانونيين ومراقبة جودة عملهم ، والتحقيق معهم ، والفصل في قضايا السلوك ، وإيقافهم !! وأتمنى منهم وقفة دفاع عن المهنة ، بالوقوف مع مرخصيهم أولاً ، وبالتأكيد على عدم إجراء أي عقوبات إلا عن طريقهم .
عوداً على موضوع المحاسبين القانونيين فإني أعتقد أن السوق سيتعرض لهزة غير محسوبة تتعلق بجودة القوائم المالية للشركات المساهمة والكبرى ، وذلك نتيجة إيقاف ديلويت الذي تزامن مع تشديد هيئة المحاسبين بخصوص ربط عدد الشركات التي يراجعها كل محاسب قانوني بعدد الساعات المتاحة له ، والنية في تحديد سقف لكل مرخص بمراجعة خمس شركات مساهمة فقط كحد أعلى ، وقد بدأت إرهاصات قرار ديلويت وضغوط الهيئة بإعتذار مكاتب المحاسبة القانونية عن العمليات ، وزيادة الأتعاب بنسب غير معقولة تصل الى ٣٠٠٪ في بعض الحالات !! وأتوقع خلال هذا العام أن تظهر على السطح بعض القوائم المالية المدققة من صغار مكاتب المحاسبة ، وهذه ليست مشكلة بل قد تكون ميزة ، ولكن الإشكال في قلة الخبرات المتراكمة وضعف مستوى جودة العمل في الكثير من المكاتب الصغيرة ، والذي سيؤثر على جودة القوائم المالية للشركات خاصة المدرجة منها .
ختاماً .. فإن هذه المشكلة التي حدثت وتأثر منها السوق ككل ، تفتح باب النقاش على مصراعيه حول الإحتكار والمنافسة في قطاع المحاسبة القانونية ، والفوارق الكبيرة بين بين من يطلق عليهم الأربعة الكبار ، ومن يليهم من العشرة ، والمكاتب المحلية الأخرى وهنا أناشد هيئة المحاسبين القانونيين ووزارة التجارة أن يبادرا بمشروع وطني لتغيير هيكلة هذا القطاع وتقوية المكاتب المحلية ودعمها بشتى الطرق لمصلحة الإقتصاد الوطني والحوكمة والمنافسة العادلة في السوق ككل .
القاسم
هل نتذكر شركة انرون الامريكية للطاقة …وكيف اعلنت افلاسها….كان المحاسب القانوني لها مكتب عالمي مشهور…..تصور تلك الشركة اشرفت على احدى شركاتنا ….في احدى السنوات الماضية قبل طفرة الاسهم….واليك العجب الارباح في 9 اشهر ….(4900 مليون ريال)……لم يتغير شيء ….لم يكن هناك حرب …..كل الامور طبيعية ….ارباح الربع الرابع فقط (200 مليون ريال) …..يا عالم يا هو ….لا من شاف ولا من درى ……منذ ذلك الحين عرفت ان اغلب مكاتب المحاسبة القانونية تحرص على توقيع العقد للسنة المقبلة وخذ ما تريد….ما عندك احد
ازيدك من الشعر بيت رئيس النازداك..مستر مادوف .لهف 50 مليار دولار لا من شاف ولا من درى…..لولا احد اولاده ابلغ عنه
مقال رائع ويعكس مهنية وموضوعية الكاتب واعتقد شخصيا انه لا يحق لاي كان اتهام اي جهة بالقصور دون إثبات الاهمال المتعمد مسبقا وإلا فالحال هو ان نعيش وفقا لقانون الغاب ولا اتفق مع إيقاف مكتب عريق من الأربعة الكبار بل واكبر شركة محاسبة عالميا بدون وجود دليل إهمال واضح وتكتم الهيئة يدينها قبل ادانة اي شخص او جهة وأين الهيئة من قضية موبايلي وما هي العقوبة للمحاسب ام تم الاكتفاء بأحد الشركات كعبرة وأين الدور الرقابي على الشركات المتعثرة وأين الهيئة مسائلة المستشار المالي للاكتتاب الذي قام بتقييم الشركة وتحديد العلاوة !!! اسالة كثيرة بحاجة لجواب ولكن من عنده الشجاعه ….. نامل مع وجود الاستاذ الجدعان الرئيس الجديد للهيئة بان يقوم بتصحيح هذه القضايا وعدم إقتصار المسؤلية على جهة دون جهات اخرى بِما فيها موظفي الهيئة!
للآسف حاد الكاتب عن جادة الصواب! بل المقال كله مغالاطات واضحه ، يبدو بان الكاتب يحتاج أن يطلع على أعمال وممارسات شركة ديليويت بشكل تفصيلي وما تقوم به من عبث وممارسات احتيال متعمده على اقل تقدير في الشركات التي كنت فيها عضوا في لجنة المراجعة! ولكن يظل رأي الكاتب ووجهة نظره!
السلام عليكم ابا عمر، مقال رائع، لكن من وجهه نظري ان توجهه الهيئه بصدور هذا القرار سواءا كان من اختصاصها ام لم يكن هو نتيجه للتقصير من هيئه المحاسبين القانونين ووزاره التجاره. فالوم يقع عليهم اولا واخيرا كون هذي التجاوزات مرت مرور الكرام تحت اشرافهم.
آتمنى حقيقه ان يكون لهيئه المحاسبين دورا افضل واقوى في المستقبل بحيث يحمي المستثمرين ومكاتب المحاسبه في ان واحد، وليس فقط مكاتب المحاسبه.
شكرا