3666 144 055
[email protected]
في إجتماع لجنة المراجعة لإحدى الشركات المساهمة يعلق المحاسب القانوني تعليقاً غريباً لم نتعوده ، فيقول :“هذا الإجراء لحمايتنا“ ، لم يكن ذلك التعليق متعارفاً عليه من قبل !!
في مثل هذه الفترة من كل عام تطلب الشركات بجميع أصنافها عروضاً لمراجعة الحسابات ، هذا العام الوضع مختلف !! حيث تفاجأت الشركات بإعتذارات لبعض المكاتب بحجة الإنشغال وإزدحام الأعمال !! وعند تلبية الطلب تكون المفاجأة في زيادة أتعاب المحاسبين القانونيين بما يقارب الضعف خلال أقل من عام !!
لم يكن السبب هو قيام هيئة المحاسبين القانونيين بإرسال تعميماتها للمحاسبين بمضمون مجملة يركز على أهمية جودة العمل والتوثيق والإستعداد للتفتيش !!
ذلك كله في تقديري نتج من آثار التعميم الأشهر في تاريخ مهنة المحاسبة في المملكة ، الذي أوقفت بموجبه هيئة سوق المال التعامل مع شركة ديلويت للمحاسبة وشهرت بإثنين من الشركاء العاملين فيها كنتيجة لتداعيات ازمة الإكتتاب في شركة المعجل ، وبالتالي منعت الهيئة الشركات المدرجة والشركات المرخصة من الهيئة من التعامل مع ديلويت حتى الإنتهاء من نظر القضية .
قضية أخرى زلزلت السوق السعودي أيضاً ، هي قضية موبايلي ، والفضيحة التي حدثت في حساباتها ، وأربكت السوق السعودي كله ، ودحدرت بسهم الشركة إلى معدلات غير متوقعة ، وحولت الشركة من أحد نجوم السوق إلى شركة تحولت إلى فضيحة ، وكان كل شيء يدور حول إدارة الحسابات والمحاسب القانوني والمراجع الداخلي .
اليوم المحاسبون القانونيون ”غير“ الأمس ، فقد أصبحوا أكثر حذراً ، أكثر خوفاً ، أكثر تكلفة ، أقل مهنية ، ليس بسبب إيقاف ديلويت !! ولكن بسبب عدم عدالة قرار الإيقاف ، هذا ليس رأيي ولكنه رأي كثير من العاملين في قطاع المحاسبة القانونية ، وهو رأي يتبناه أيضاً أبرز منافسي ديلويت ، والذين يفترض أنهم أكثر المستفيدين من إيقافهم .
قد يرى البعض إن من حق هيئة سوق المال أن تفرض من القرارات ما يناسبها فيما يخص الشركات الخاضعة لها ، ومن ذلك الثقة أو عدم الثقة في الجهات الإستشارية التي تلجأ لها الشركات الخاضعة لها ، شمل تعميم الهيئة الشركات المساهمة المدرجة في سوق المال ، إضافة إلى الشركات المرخصة من هيئة سوق المال .
ولكننا اليوم أمام مفترق طرق صعب ، لا يمكن إتخاذ قرار بشأنه بسهولة ، الشق الأول منه يتسائل عن ماهية الشركات التي تخضع لرقابة وسيطرة هيئة السوق المالية ؟ وتقع تحت إشرافها ؟ وهل هيئة السوق مسئولة عن الشركات المرخصة من قبلها فقط ؟ أم هي مسئولة أيضاً عن الشركات المرخصة أيضاً من وزارة التجارة وتم إدراجها في سوق المال؟
الشق الثاني منه يطرح سؤالاً أكثر حرجاً ووضوحاً ؛ وهو هل لهيئة سوق المال الحق في طرح الثقة وإهدار سمعه المحاسب القانوني الذي تم ترخيصه من وزارة التجارة ، وتراقب أدائه هيئة أخرى مشهود لها بالمهنية والإستقلالية وهي هيئة المحاسبين القانونيين؟
إن تعميم هيئة سوق المال الذي حذر الشركات من التعامل مع شركة ديلويت ، هو بمثابة قرار تصفية لشركة المحاسبة ، وإعدام مهني لمستقبل الشركاء المذكورين في التعميم . ليس بسبب تضرر الإيرادات فقط ، ولكن بسبب إنهاء السمعة والمصداقية .
هل يحق لهيئة سوق المال إتخاذ مثل هذا القرار ؟
قرار إيقاف ديلويت صدر من الهيئة قبل إنتهاء التحقيقات ، وقبل إدانة الشركة رسمياً ، وقبل صدور حكم قضائي يعتبر سابقة في تاريخ الهيئتين سوق المال والمحاسبين القانونيين .
وكون التعميم صادر بناء على قرار لجنة الفصل في الأوراق المالية ، لا يعني شيء ، فلجنة الفصل في الأوراق المالية جزء من منظومة هيئة سوق المال وتخضع لإشرافها ويتم تعيين أعضائها من قبل مجلس إدارة هيئة السوق المالية ، وبالتالي فإن القرار قد وقع في فخ توحد الخصم والحكم !!
ويرى الكثير من المراقبين بإن هيئة سوق المال تذر الرماد في العيون ، بإبعاد التهمة في قضية المعجل عن نفسها ، لتوقعها على غيرها ممن تصادف وجوده في مسرح الجريمة آنذاك ، وإلا فإن السؤال الأهم لماذا المحاسب القانوني وليس المستشار المالي المرخص من الهيئة والذي أشرف على الطرح آنذاك !!
ماذا سيكون موقف هيئة سوق المال والجهات ذات العلاقة فيما لو تمت تبرئة ديلويت كلياً أو جزئياً !! وهل التعويض لو تم ، ومهما كان حجمه سيعوض ولو جزء بسيط من خسائرها المعنوية !!
وبقدر عجبي من قرار لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ، فإني أعجب من صمت هيئة المحاسبين القانونيين ووزارة التجارة ، وهما الجهتين المعنيتين بالترخيص للمحاسبين القانونيين ومراقبة جودة عملهم ، والتحقيق معهم ، والفصل في قضايا السلوك ، وإيقافهم !! وأتمنى منهم وقفة دفاع عن المهنة ، بالوقوف مع مرخصيهم أولاً ، وبالتأكيد على عدم إجراء أي عقوبات إلا عن طريقهم .
عوداً على موضوع المحاسبين القانونيين فإني أعتقد أن السوق سيتعرض لهزة غير محسوبة تتعلق بجودة القوائم المالية للشركات المساهمة والكبرى ، وذلك نتيجة إيقاف ديلويت الذي تزامن مع تشديد هيئة المحاسبين بخصوص ربط عدد الشركات التي يراجعها كل محاسب قانوني بعدد الساعات المتاحة له ، والنية في تحديد سقف لكل مرخص بمراجعة خمس شركات مساهمة فقط كحد أعلى ، وقد بدأت إرهاصات قرار ديلويت وضغوط الهيئة بإعتذار مكاتب المحاسبة القانونية عن العمليات ، وزيادة الأتعاب بنسب غير معقولة تصل الى ٣٠٠٪ في بعض الحالات !! وأتوقع خلال هذا العام أن تظهر على السطح بعض القوائم المالية المدققة من صغار مكاتب المحاسبة ، وهذه ليست مشكلة بل قد تكون ميزة ، ولكن الإشكال في قلة الخبرات المتراكمة وضعف مستوى جودة العمل في الكثير من المكاتب الصغيرة ، والذي سيؤثر على جودة القوائم المالية للشركات خاصة المدرجة منها .
ختاماً .. فإن هذه المشكلة التي حدثت وتأثر منها السوق ككل ، تفتح باب النقاش على مصراعيه حول الإحتكار والمنافسة في قطاع المحاسبة القانونية ، والفوارق الكبيرة بين بين من يطلق عليهم الأربعة الكبار ، ومن يليهم من العشرة ، والمكاتب المحلية الأخرى وهنا أناشد هيئة المحاسبين القانونيين ووزارة التجارة أن يبادرا بمشروع وطني لتغيير هيكلة هذا القطاع وتقوية المكاتب المحلية ودعمها بشتى الطرق لمصلحة الإقتصاد الوطني والحوكمة والمنافسة العادلة في السوق ككل .
القاسم
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734