3666 144 055
[email protected]
من المزعج حقا أن ثلاث جهات حكومية لدينا تتنازع على مشروع “الهيئة العليا للمشاريع الصغيرة” الذي اقترح سابقا من أكثر من جهة أبرزها مجلس الشورى. كل جهة تقدم جملة من المبررات الواهية، فوزارة العمل ترى أنها أحق بها باعتبار المشاريع الصغيرة هي الحاضن الأول لفرص العمل التي تنشدها، فيما ترى “وزارة التجارة” أنها هي المسؤولة باعتبارها جزءا من منظومة التجارة الداخلية وما يتبعها من أنظمة، فيما ترى “وزارة البلديات” أنها هي الأحق في تحديد صلاحيات افتتاح أي مشروع وتطبيق ما يلزم من اشتراطات.
وهكذا تفرق دم الهيئة المنتظرة بين الوزارات، وبقي مشروع الهيئة معطلا منذ سنوات دون أن يتطوع رجل رشيد يفض هذا النزاع “البيروقراطي”.
وإذا كانت الجهات العليا فشلت في الاتفاق على إطلاق هيئة عليا لها صلاحيات واضحة وتعمل بروح جديدة وبأداء مؤسسي نستطيع من خلاله أن نصنع نموا اقتصاديا فارقا من خلال تحويل آلاف الأفكار التي في رؤوس الشباب والفتيات إلى مشاريع على أرض الواقع، فلا غرابة أيضا أن تفشل 77 في المائة من المشاريع التي قامت أخيرا رغم ما توفر لها من دعم وتمويل. كانت العقبات السابقة التي تواجه مؤسسي المشاريع الصغيرة تتمثل في التمويل، إلا أن الجهود الكبيرة التي بذلها “بنك التسليف” أخيرا بالشراكة مع “معهد ريادة الأعمال” أسهمت في إظهار كثير من المشاريع إلى النور، ومن واقع تجربة أقول إن أكبر عقبة يواجهها مؤسس المشاريع الصغيرة هي “بيروقراطية الأجهزة الحكومية وتعدد اشتراطاتها، فهي تتقاذفه دون أدنى اعتبار لما يهدره من وقت وجهد ومال.
لقد أمضيت أكثر من عام كامل وأنا أركض بين البلديات، والدفاع المدني، ورعاية الشباب، ووزارة العمل، ووزارة الداخلية، واستعنت بعشرات الوسطاء والمعقبين من أجل استخراج “ترخيص مركز رياضي” وخلال هذا العام عانيت خسائر باهظة، ووقتا مهدرا دون أي مردود فالأنظمة لا تسمح بتشغيل المشروع قبل استخراج التراخيص النهائية.
ما واجهته أنا واجهه غيري من أصحاب المشاريع الصغيرة وبعضهم توقف في المنتصف دون أن يكمل مشروعه، ولو سألتم مسؤولي “بنك التسليف” عن مئات من الطلبات التي تتم الموافقة لها بالتمويل، وتمضي الأشهر تلو الأشهر دون أن ينهي المتقدم ماراثون التراخيص الإجرائية،
وهذا أمر طبيعي فكيف لشاب أو فتاة مواجهة هذه الجهات بكل ما لديها من شروط ومتطلبات وهو لا يملك ما يملكه أصحاب النفوذ من خبرات وعلاقات واستثناءات.
الدول الناجحة التي صنعت اقتصادا فارقا بسبب اهتمامها بالمشاريع الصغيرة لا يحتاج مؤسس المشروع إلى كل هذا التعب وهذا الشتات. هناك جهة محددة تستقبل الطلبات في نماذج بسيطة لا تستغرق سوى ساعات لتأتيك الموافقة وتمضي في المشروع أو ترفض الفكرة مع توضيح الأسباب، وحين تبدأ مشروعك هناك الاستشارات المجانية والدعم النفسي والمعنوي الذي تقدمه عشرات الجمعيات المهنية لرواد المشاريع الصغيرة.
كنا نحلم بالهيئة العليا للمشاريع الصغيرة فماتت الفكرة في نزاع الوزارات ووعد “بنك التسليف” بتطبيق فكرة الشباك الواحد لاختصار الإجراءات، وإنقاذ مشاريع الشباب من براثن الوزارات التقليدية فماتت الفكرة أيضا، والنتيجة وطن يخسر الكثير.
لن يتوقف هذا الهدر إلا بتدخل مجلس الاقتصاد والتنمية، فهل يكون ذلك قريبا؟
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734