3666 144 055
[email protected]
مثلما لاحظنا فإن الأسعار من بداية الشهر الكريم صارت ترتفع وذلك على العكس مما هو مفترض أو فلنقل على خلاف ما هو متبع في العديد من بلدان العالم التي تعمد فيها المحلات التجارية إلى خفض الأسعار في المناسبات والأعياد وهذه ليست المفارقة الوحيدة فالمتابعون والمهتمون بمتابعة مؤشر مستوى المعيشة يلاحظون أن أسواقنا تساير أسواق العالم فقط عندما تكون الظروف مواتية لارتفاع الأسعار وحتى في هذه الحالة نرى وتيرة التضخم أعلى مما هي في بقية البلدان أما عندما تزول الأسباب التي أدت إلى الغلاء فإن أصحاب المحلات التجارية لا يتجاوبون مع الامر وكما لو أن الأسعار المرتفعة قد أصبحت حقا مكتسبا لهم لا يمكنهم التنازل عنه.
وأنا أشرت في العديد من المقالات السابقة إلى أن ضرر الأسعار المبالغ فيها لا يقتصر على ميزانية الأسر ومداخيل الطبقة الوسطى وإنما تصل الآثار السلبية إلى أبعد من ذلك لتمس كامل الاقتصاد فالمغالاة في الأسعار تحول بيننا وبين تنويع مصادر الدخل فمثلما نعرف فإن الاستثمارات تتدفق على القطاعات ذات معدلات الفائدة المرتفعة وارتفاع الأسعار تجعل مردود قطاع التجارة أعلى من بقية القطاعات ولهذا فإن أصحاب الأعمال سوف يتوجهون بالتأكيد للاستثمار في هذا القطاع دون غيره الأمر الذي يعني إعاقة توظيف رؤوس الأموال في الصناعة والزراعة وبقية قطاعات الاقتصاد الحقيقي.
وهذا الوضع غير المناسب الذي يستنزف ميزانية الأسر ويلحق الضرر بالاقتصاد لم يأت، على ما يبدو لي، من فراغ فجذور المسألة إذا ما تمعنا في الأمر تأخذنا إلى هيكل وزارة التجارة والصناعة فالشكوى المريرة التي نسمعها من الصناعيين في العديد من المناسبات ربما يجعلنا نفترض أن الشق الصناعي في الوزارة لا يعمل بكفاءة ونشاط شقها التجاري أو لعل اللوبي التجاري هو أكثر نشاطاً من لوبي الصناعيين فنحن كما نعلم فإن الرأسمال التجاري قد نشأ في بلدنا -بل وفي كافة العالم-قبل الرأسمال الصناعي بفترة زمنية لا يستهان بها ولهذا فإن نفوذ التجار وتغلغلهم في كافة المستويات هو منذ القدم أكثر عمقاً واتساعاً من الصناع.
فإذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً فإن تغيير المعادلة يفرض علينا أحد أمرين: الأول هو تقسيم وزارة التجارة والصناعية إلى وزارتين أما الخيار الآخر فهو إعادة هيكلة وزارة التجارة والصناعة فالشق الصناعي في الوزارة يحتاج إلى تعزيز بالكوادر والأقسام التي تمكنه من خدمة الصناعة بمقدرة وكفاءة لا تقل عن تلك التي يحصل عليها القطاع التجاري.
ولكن حتى تلك الخطوات من الصعب عليها تغيير المعادلة الصعبة لمصلحة القطاع الصناعي ما لم يتم تطوير الإجراءات التي تنظم تجارة المفرق وتحد من جشع كافة المساهمين في هذا القطاع وعلى رأس ذلك تأتي الرقابة التي يفترض أن تحصل على السند والدعم القانوني الذي تحتاجه للعمل بفعالية ونجاح في المقابل فإن التشريعات وخاصة في المجال المصرفي يفترض أن تتطور لمواكبة الزمن وهذا ربما يتطلب تدخل القطاع الحكومي أو مؤسسة النقد العربي السعودي حتى يتمكن القطاع الصناعي والمقاولون والمزارعون من الحصول على التسهيلات الائتمانية التي يحتاجونها بشكل ميسر.
نقلا عن الرياض
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734