الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عمق بيئة العمل تعاني بعض المنظمات من دور الإدارات البيروقراطية التي تؤمن بمركزية القرار وعدم تفويض الصلاحيات للمرؤوسين، حيث تنعدم صلاحية إصدار أي قرار كلما اتجهنا لأسفل على الهيكل التنظيمي للمنظمة.
هذا التحرك المحدد في سير العمل يؤدي إلى بطء انجاز المعاملات المتعلقة بعمل المنظمة، فبدلاً من منح الصلاحية للمرؤوس ليقوم بما يمكنه القيام به لإنجاز العمل وفق خطة المنظمة في وقت قصير، يعمد بعض المدراء إلى جعل العمل يسير منهم وإليهم دون إتاحة الفرصة للمرؤوس ليصدر قراراً ولو كان بسيطاً يثبت به كفائته الإدارية مما يجعل انجاز العمل ثقيلاً وبطيئاً جداً.
ومع مدير لايؤمن بقدرات الموظفين أو يقوم بتحميل عبء العمل على موظف واحد مع تجاهل مقصود لدور البقية، لايمكن أن يدار العمل على نحو عادل، بل أن العمل سينتهج طريقاً ظالماً بحق قدرات الموظفين المرؤوسين، و سنجد أنهم سيأتون للعمل متثاقلين بلا هدف حيث لا مسؤولية ملقاه على عاتقهم أكثر من أهمية الحضور للعمل.. لترفع من معنوياتهم الإدارية.
في ظل هذه السياسة الغير فعالة سيبقى الموظفين كما هم على نفس مستوى الأداء منذ بداية توظيفهم، هذا إن لم يكن أسوأ !
ولن تتطور قدراتهم في حل المشاكل الطارئة والتي قد تواجهها المنظمة في غياب المدير وإن كانت بسيطة، بالإضافة إلى أنهم لن يتقبلوا أي عمل يناط به إليهم فجأةً خوفاً من الخطأ المحتمل الذي قد يبدر منهم، حيث أنهم لم يمارسوا قراراً من قبل!!
و كحَل بسيط لتنمية وتطوير العمل والموظف معاً وللحصول على نتائج مستقبلية باهرة، لابد من اللجوء إلى استراتيجية إدارية تدعى التمكين.
ولكن ماهو التمكين؟ إن التمكين من وجهة نظر إدارية كما عرفه Robbins هو منح العاملين السلطة اللازمة وحرية العمل من أجل جعلهم قادرين على خدمة المنظمة بفاعلية، وبرأيي الشخصي وبعيداً عن ثقافة الإدارة المقننة التمكين هو أن يقوم الرئيس (المدير) بوضع الثقة الإدارية في يد المرؤوس بصلاحيات مُطلقة في حدود عمله المكلف به.
ويعد التمكين استجابه مُلحة لحاجة بيئة العمل التي تتطلب استخدام قدرات الموظفين في تحقيق أهدافها، كما أن للتمكين مبررات عدة فمثلاً يجعل من الموظف المرؤوس صاحب قرار في بيئة العمل مما يجعله يساهم بنجاحها لشعوره بالإنتماء لها، كما أنه يساعد على رفع معنويات الموظفين وخلق رفاهية وتقليص لعبء العمل، و أيضاً يقوم التمكين بخلق علاقات جيدة بين الموظفين المرؤسين وعملائهم من خارج المنظمة مما يساهم في خلق صورة جيدة للمنظمة.
ولكن قد يعاق تطبيق التمكين بسبب الصفات الشخصية للموظفين المرؤوسين كضعف الشخصية، أو قلة التأهيل والتدريب والكفأة، أو عدم قدرتهم على اتخاذ قرار مسؤول، أو ضعف الدافعية تجاه العمل، أو قد يفشل الموظف بتمكين سابق وّكل إليه مما يؤثر على تجربته الجديدة، أو عدم تطابق قيم التمكين مع القيم الشخصية للموظف، وقد يعاق تطبيق التمكين أيضاً بسبب شعور بعض المدراء بفقدانهم للسلطة في ظل التمكين، أو قد تصبح مشاركة المعلومات مع المرؤوس بنظر المدير سبباً في تسريب الأسرار إلى المنظمات المنافسة، وأخيراً قد لا يرغب كل الأفراد المرؤوسين بكونهم مُمكنين!
وتكمن أهمية التمكين إذا ماتحدثنا عن التطوير التنظيمي للمنظمة، وكلنا نعلم أن التطوير التنظيمي عملية استراتيجية هامة لتغيير سياسة المنظمة القديمة، وتحويلها إلى وضع مرغوب به في المستقبل.
وبالحديث عن التطوير التنظيمي نرى أنه يهدف لتعميق الشعور بأهداف التنظيم وتشجيع الموظفين على حل المشكلات بدلاً من الهرب منها، ويساهم ببث الحماس لدى الموظفين وتطوير خبراتهم، ويدعم السلطة الناتجة من المركز الوظيفي حسب الخبرة والمهارة، ويؤدي إلى تعظيم المسؤولية بنظر الموظف لرسم الخطط وتنفيذها، فمن باب أولى لتتحق أهداف التطوير أن تقوم المنظمة على تشجيع أي موظف يرغب بالتغيير تحت مظلة التطوير.
إن التطوير التنظيمي مجهود طويل المدى يحتاج لوقت طويل ولربما لسنوات ليتم، كما أنه يحتاج للموظفين ككل وليس لفرد قائد فقط.
ومن جهه أخرى لن تتطور أي منظمة إذا ماتم تهميش الموظفين المرؤوسين على حساب النهوض بالقائد وحده.
إن ماتعانيه المنظمات هنا كالمؤسسات التعليمية هو أقرب مثال على استحالة التطوير التنظيمي بسبب إهمال التمكين!
ففي الجامعات يناط بكامل المسؤولية على عاتق العميد أو الوكيل أو مدير الإدارة أو رئيس القسم أو سكرتير المدير، وتلتغي بشكل واضح حاجة الجامعه لغيرهم من موظفي الأقسام الأخرى في تعاملاتها اليومية، مما يسبب خللاً في تطبيق واستيعاب العمل لدى الموظف الصغير الذي لم يمارس عمله بناءً على التهميش الحاصل له، لذا ستجد أن التطوير التنظيمي في الجامعات مستحيل، وإن عمِلَ.. فإنه سيعمل ببطء شديد، وفي ظل هذه الظروف المحبطة للموظف المرؤوس الغير مُمَكن، ستجد أيضاً أن هناك الكثير من المشاحانات في بيئة العمل بسبب تسطيح الإدارات العليا لدور الموظف.
وكما هو معروف أن الموظف في بداية عمله توكل له مهام شكليه فقط ولايسمح له فعلياً بالقيام بها حتى يظهر كفآته، ولكن قد تستمر نظرة المدير له بهذا الشكل حتى وإن كان الموظف ذو خبرة سابقة!! ومع تقييم شخصي وعملي لايتحرك على خط انجاز الموظف المرؤوس سيرى طبيعياً أن وجوده في عمله بلا فائدة، فلا يبقى أمامه إلا خيارين: إما القبول بالوضع الراهن والبقاء مع انحدار متوقع لكفائته، أو تقديم الإستقالة المبكرة ليصنع كيانه كموظف كفوء في مكان آخر!
ولن نطيل الحديث عن أثر تمكين الموظف المرؤوس، وَ بطء التطوير التنظيمي في بيئة العمل التي لاتؤمن بالتمكين، ولكننا متأكدين أنه وبالرغم من معوقات التمكين التي ذكرناها سابقاً يبقى التمكين هو المفتاح الصحيح للتطوير التنظيمي، فلن تنهض منظمة لا تهب موظفيها ولو جزء يسير من السلطة ليطوروا وينجزوا.
وبرأيي.. وتوفيراً للوقت والمال والجهد يجب على المنظمات التي تنتهج البيروقراطية في الإدارة وتطمح للتطوير التنظيمي أن لا توظف أحداً إن كانت تعمد إلى تجميده إدارياً، بل من الأفضل لها أن تكتفي بمدرائها فقط وأن تنسى فكرة التطوير التنظيمي، فمادامت المنظمة لاتثق بكفآئات موظفيها المرؤوسيين كمطورين ومنتجين، فالتوظيف هنا سيكون زيادة عبء على المنظمة وزيادة عدد!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال