3666 144 055
[email protected]
حين بدأت كتابة هذا المقال جال في خاطري عناوين عدة ، لم استقر على أحدها، ، فلما أعدت قراءته لتعديل ما يلزم، إذ بهذا العنوان أمامي فجأة، وكأنه يصف حالة القلق والخوف التي تصيب الدول المنتجة وشعوبها لأي طارئ يطرأ على أسعار النفط، حتى أصبح حديث المجالس، رغم أنه قبل عشرين عاما تقريبا لم يكن يحظى بالاهتمام والزخم الذي يحظى به اليوم، وهذا يعكس حجم الوعي بأهمية النفط، والقلق الذي سببه لنا، وكأنه أخذنا على حين غرة، ولم يسمح لنا أن نفكر ولو قليلا أن نتدبر أوضاعنا، أو نرتب أمورنا، فكان عام 2015 العام الذي أحب أن أسميه بعام طفرة القلق النفطي.
ومن قراءتي لما يُنشر ويكتب، أو يناقش عن النفط وأسعاره المتوقعة مستقبلا، وتضارب آراء المحللين بشأن ذلك، فالبعض يتوقع أن ترتفع الأسعار قريبا، والبعض الآخر يتوقع أن الأسعار ستبقى في حدود 50 دولار فترة ثم تبدأ الأسعار في الزيادة في 2016، وآخرون يتوقعون أن تستمر الأسعار في الانخفاض، ثم تعود للارتفاع خلال العام 2016، وقد وجدت في تلك التساؤلات موضوعا مهما يستحق التطرق إليه ومناقشته، ولا أخفي شغفي بالنفط ومعرفة كل ما يتعلق به فمنذ مقالي الأول والذي كان من 3 حلقات بعنوان ” النفط بين انتفاضة المضاربين وشبح الفائدة ” وجدت هذه السلعة مليئة بالغرائب والعجائب، ما قد يزيد الأمور تعقيدا، ويحتم على من أراد أن يتناول موضوعا عن النفط أن يقرأ كثيرا، ويبحث جيدا، فالنفط ليس كأي سلعة يمكن تناولها وفق رأي شخصي، فنحن نتحدث عن سلعة لها ثقلها السياسي والاقتصادي، فضلا عن أنها قد تكون سبب في اختلاق الأزمات بين الدول، هذا خلاف تأثيرها في تغيير مجريات الأحداث، وفق مصالح الأطراف الأقوى تأثيرا على أداء السوق
وبالعودة إلى الوراء قليلا نرى كيف أن النفط تلاعب بالأسواق العالمية، فضلا عن اقتصاديات الدول المنتجة، فنجد النفط بلغ 147 دولار للبرميل وهو أعلى سعر له بناءا على بورصة نيويورك للعقود الآجلة في يوليو 2008 ، في حين انهارت الأسعار في أقل من 6 أشهر ، إذ بلغ النفط 40 دولار للبرميل وهو أدنى سعر وكان ذلك في يناير 2009 ، محققا خسارة بلغت أكثر من 100 دولار للبرميل ، ثم عاودت الأسعار ارتفاعها وتذبذبها إلى أن وصلت في يونيو 2014 ما يقارب 107 دولارات للبرميل، ثم انهارت مرة أخرى في أغسطس 2015 فكانت قريبا من 38 دولار للبرميل، إي بانخفاض مقداره 69 دولار للبرميل، ومن هنا نتساءل :
هل كانت أسباب انهيار أسعار النفط عام 2009 مشابهة لأسباب انهياره 2015 ؟ أم أن هناك أسباب أخرى أدت إلى ذلك؟
في مقال كتبته بعنوان ” النفط .. إلى أين يتجه ؟ ” حول أسباب انهيار أسعار النفط في 2009 ، نجد أن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى المضاربات في عقود النفط الآجلة نتيجة للقلق الذي حصل جراء الأزمة المالية العالمية، فعقود النفط كورقة مالية يمكن تداولها تعتبر من أكثر الأوراق المالية مخاطرة، وحدث هذا الانهيار بالرغم من أن الطلب العالمي السنوي على النفط فاق الإنتاج العالمي، ثم ما لبثت الأسعار أن ارتفعت في الربع الأخير من 2009 .
أما فيما يتعلق بانهيار النفط في 2015، فهي تختلف تماما عن ما هي عليه في 2009، رغم أن المضاربين مازالوا يمارسون نفس الدور، إلا أن كبارهم يدركون أبعاد السوق مستقبلا، وهم أقدر على قراءة معطياته، ومعرفة فيما إذا خرجت السوق عن المسار التي تحقق مصالحهم التي يسعون إليها.
ففي هذه الفترة بالذات تتجاذب سوق النفط عدة قوى بعضها يسير في اتجاه الدفع بأسعار النفط للأعلى، والبعض الآخر في الضغط على أسعاره نزولا، وتبقى محصلة تلك القوى هي من يحدد مساره واتجاهه، هذا إذا لم تكن تلك القوى تسير في نفس الاتجاه، وهذه القوى تتمثل في ( معدلات النمو الاقتصادي – معدل الطلب والإنتاج من النفط – سعر الفائدة – ومؤشر الدولار ).
فكما هو موضح في الشكل أدناه نجد أن معدل النمو في أغلب الدول الصناعية أخذٌ في الانخفاض، إلا أن أكثرها تأثر وتأثيرا الاقتصاد الصيني لكونه ثاني أعلى استهلاك للنفط، فقد حقق الاقتصاد الصيني عام 2007 أعلى مستوى نمو له إذا بلغ ما يقارب 13% ، ثم انخفض بعد ذلك بسبب الأزمة المالية العالمية ، واستمر هذا الانخفاض بصورة كبيرة مقارنة بما كان عليه حيث انخفض إلى 7% عام 2014، ومن المحتمل أن ينخفض إلى ما دون 7% هذا العام، وما قامت به الصين مؤخرا من خفض لعملتها لتشجيع صادراتها نظرا للتراكم الهائل من المخزون السلعي، وللحد من خروج رؤوس الأموال، حيث تشير بعض التقارير إلى أن حجم الأموال التي خرجت من الاقتصاد الصيني العام الماضي بلغت ما يقارب 800 مليار دولار، إلا دليل على ما يعانيه الاقتصاد الصيني من انحسار في النمو، كما أنه يظهر جليا تأثر الصين من العقوبات المفروضة على روسيا، نظرا لانخفاض واردات روسيا من الصين.
أما فيما يتعلق بالنفط فكما هو مبين في الشكل أدناه والذي يوضح معدل نمو الإنتاج والاستهلاك العالمي السنوي من النفط، وكذلك معدل نمو متوسط السعر السنوي ، فيلاحظ أن سعر النفط ينمو بمعدل أكبر من معدل النمو السنوي للإنتاج والاستهلاك العالمي، إضافة إلى أن منحنى معدل نمو سعر النفط ذي اللون الأسود يقع أعلى منحنيي الاستهلاك والإنتاج حتى 2013، ثم بدأ يقع أسفل المنحنيين المذكورين، مما يعني أن هناك قلقا بدأ يسود البورصة النفطية، واحتمال لتراجع الأسعار أكثر من ذلك.
أما سعر الفائدة، فما زال العالم يترقب قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن رفع الفائدة، ومن دون شك أن ذلك سيتسبب في ضغوطا على الاقتصاد العالمي في أن يحذو حذو قرار الفيدرالي وذلك للمحافظة على أسعار الصرف، والحد من خروج رؤوس الأموال، ومن دون شك أن رفع سعر الفائدة في أي اقتصاد يؤثر تأثيرا عكسيا على معدلات الإنفاق والاستثمار ، الأمر الذي ينعكس سلبا على الطلب على الطاقة ومن ضمنها النفط، وبالتالي التأثير على الأسعار.
أما آخر تلك القوى فهو مؤشر الدولار الأمريكي، والذي يعطي رؤية واضحة حول ارتفاع سعر صرفه مقابل العملات الرئيسة، حيث أن ارتفاع سعر الدولار يؤدي لارتفاع تكاليف الواردات والسلع ، ومن ضمنها النفط، نظرا لأنها مسعر بالدولار، وهذا يؤدي لتراجع الطلب على النفط، مما يضغط على الأسعار نزولا.
كل تلك القوى السابقة الذكر، إضافة لعوامل أخرى كارتفاع صادرات النفط الإيراني بعد تفعيل الاتفاق النووي، والتقارير بشأن النفط الصخري، واحتمال خفض تكاليف استخراجه، قد تؤدي والعلم عند الله إلى مزيدٍ من الضغط على أسعار النفط في اتجاه نزولي، أكثر، قد يستمر لسنوات ، وربما يبقى متذبذبا في مستويات منخفضة إذا تمكنت بعض دول العالم خلال السنوات المقبلة من التنقيب عن النفط الصخري، والقدرة على خفض تكاليف استخراجه.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734