نحصل على مخالفات مرورية بسبب الإهمال وقد نسافر لمكان لا نحبه تقليدا للآخرين، ونشترك دون أن نتنبه في باقة إنترنت غير ضرورية أثناء التجوال الدولي، وربما نفعل ما هو أشد من ذلك من أشكال تبديد الأموال التي نتجاهلها في نهاية الأمر لكيلا نشعر بتأنيب الضمير. لا أحد منا يريد تضييع أمواله ولكننا نقوم بذلك في معظم الأوقات. ولا أحد يتبع أي وصايا أو نصائح تشرح كيف نبدد أموالنا إلا أن الكثيرين يستطيعون القيام بذلك بسهولة وبسرعة دون أي مجهود يذكر. مقارنة حجم الأثر الناتج من تضييع النقود بضآلة الفعل يجعلنا ننظر له وكأنه تصرف ذكي وفعال! إلا أنه يحدث دون أن نخطط له وربما لا نشعر بنتائجه التي لا نحبها إلا بعد حين.
التعامل مع النقود يتبع القواعد العامة للتعامل مع الموارد الثمينة التي تمكنا من العيش كما نطمح. تبديد النقود وتضييعها لا يتطلب في نهاية الأمر إلا تجاهل هذه القواعد الحياتية العامة مع إضافة بعض التفاصيل والخطوات الاستهلاكية البحتة بعد تفريغها من أسباب القيمة والفائدة.
أول استراتيجيات تبديد الثروات وأقواها تأثيرا يحدث بعد الحصول على النقود بسهولة بلا تعب؛ ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة. حل هذه المشكلة التي تكثر لدى الأبناء الذين يجدون أنفسهم في أسر مرتاحة من النواحي المادية لا يكون إلا بالتربية المالية المبكرة. وهذا يكون بإدارة مصروف الأبناء والتحكم في طريقة تعاملهم مع النقود وتحفيزهم على فهم مداخيلها ومخارجها السليمة وكيفية تنميتها والحفاظ عليها.
الاستراتيجية الثانية لتبديد النقود تكون بفقدان السيطرة المعرفية عليها. من لا يعرف كم يحمل جرابه من نقود سيجهل كم ينقص منه كل يوم، وبالتالي سيفقد حساسيته تجاه قيمة ما يحصل عليه من أشياء مقابل أمواله ـــ وإن كثرت ـــ وينتهي به الأمر مضيعا لأمواله وأشيائه فاقدا قدرته على الربط بينهما. معرفة قيمة ثرواتنا والتزاماتنا المادية تجاه الغير تعني تمكيننا من إدارة سلوكنا المالي باتزان، الجهل بها وسيلة مباشرة وسريعة لفقدانها.
فقدان مرجعيتنا الخاصة تجاه قيمة الأشياء التي نحاول الحصول عليها وضبابية تعريفنا لهذه “القيمة” بطريقة تناسب احتياجاتنا وإمكاناتنا الحياتية يجعلنا نتبعثر في محيط سلوكي فوضوي يقوم على الهدر المالي. صرف الأموال مجرد عملية تعويضية نقوم بها للحصول على قيمة معينة كنا نتطلع إليها، كلما استطعنا تحديد القيمة بطريقة أفضل كان التصرف أكثر ذكاء وتأثيرا. باختصار، من لا يعرف ما يود الحصول عليه لن يعرف أين تذهب نقوده.
“لا تخطط ـــ أو تتجاهل خطتك الأخيرة ــــ واذهب للتسوق بعشوائية”. تعد هذه العبارة من أفضل نصائح تبديد الأموال، فرحلة الذهاب إلى السوبر ماركت لشراء احتياجات المنزل ستختلف إذا كانت تستند إلى قائمة مشتريات مكتوبة مسبقا عن تلك الرحلة التي تكون فيها رفوف المنتجات هي قائمة المشتريات، في الأخيرة يصبح المنتج المعروض الذي يثير رغباتنا سبب الشراء الأول، وليس حاجتنا الحقيقية التي دفعتنا أساسا لزيارة المتجر.
استغل أول فرصة للترفيه وآخر فرصة للاستثمار حتى تبدد أموالك بامتياز. من الطبيعي جدا أن من يبدأ بالترفيه يخسر كثيرا لأن الترفيه سلوك طبيعي يحصل نتيجة للجهد والمشقة. الترفيه مكافأة ونحن من يقرر كيفيتها وتوقيتها، أي استخدام مبالغ فيه لهذه المكافأة سيكون على حساب ما نملك من أموال، وهكذا يستهلك تقديم الترفيه على غيره من أولويات مواردنا دون أن نملك فرصة تجديدها. بينما الاستثمار، على الجانب الآخر، يعمل بطريقة معاكسة سواء كان استثمارا للمال أو الوقت أو المعرفة. تأخيره يفوت فرصة المبادرة ويجعل تكلفة البناء تكبر مع مرور الوقت. من يقدم الترفيه على الاستثمارات في سلم أولوياته وجدول مخططاته يقوم بعكس معادلة الثراء، وبطبيعة الحال تنعكس نتائجها كذلك.
من ناحية إبداعية، لا تخفى على الجميع الطرق المبتكرة في تضييع النقود سواء كانت استثمارات خطيرة في مساهمات مشبوهة أو متابعة المستجدات الاستهلاكية الحديثة التي تتسارع إلى المحافظ والثروات قبل أن نشعر بها. وحتى نبدد أموالنا بنجاح ـــ النجاح الذي يقوم على تكبد الخسائر ـــ لا بد أن نحافظ على استراتيجيات الفوضى والعشوائية وغياب التخطيط والتعلم ثم نتصرف بسذاجة وإهمال. بكل بساطة علينا أن نبتعد عن حسن الإدارة المالية ونتجنب مقومات الذكاء المالي ونترك أهم المهارات التي تمكننا من الحفاظ على أموالنا وتحقيق الأهداف التي نريد.
نقلا عن الاقتصادية