هناك ملفات صعبة ليس بمقدور أي جهة إدارتها بنجاح.. وتأتي صعوبة هذه الملفات من التداخلات المحيطة بها ودرجة القوة المفترض توافرها في الجهة القائمة على إدارتها.. ويشهد لوزارة الداخلية بالتفوق في إدارة هذا النوع من الملفات.. وخير مثال على ذلك إدارتها ملف الإرهاب وملف مكافحة المخدرات.. وحققت الوزارة أيضا نجاحات مشهودة في مجال أعمالها الأخرى ذات الصلة بخدمة الوطن كالجوازات والأحوال المدنية والمرور والدفاع المدني، حيث أدخلت التقنية الحديثة بشكل لافت، وأصبح المواطن ينهي الإجراءات المطلوبة له أو لمن هم على كفالته آليا عبر برنامج “أبشر”، الذي هو اسم على مسمى، فقد سهل على المواطن الحصول على خدمات كان عليه في السابق أن يصحو مبكرا ويصطف في صفوف طويلة للحصول عليها.
وبعد هذه المقدمة أصل إلى بيت القصيد في هذا المقال وهو الحديث عن ملف من أصعب الملفات بالنسبة للمواطن السعودي “ملف العمالة المنزلية” فلقد وصل الأمر إلى شروط تعجيزية وانتظار بالشهور وتكاليف بعشرات الآلاف كي يحصل على سائق أو عاملة منزلية، ثم قد لا يحصل عليها في النهاية، وقد يهرب أحدهما أو كلاهما بعد أيام من مباشرة العمل.. وتدخلت السفارات فوضعت “صكوك إذعان” يوقع عليها المواطن لحاجته الماسة إذا كان يعمل.. وزوجته تعمل أو لديه معوق أو مسن في المنزل.. وقد وصلنا إلى هذه المرحلة المؤلمة بعد أن نقل الملف من وزارة الداخلية التي كانت تديره بكفاءة وقدرة وقوة في التفاوض مع الدول المصدرة للعمالة، إلى وزارة العمل التي لم تحسن إدارة هذا الملف ولم تعترف بذلك حتى الآن.. قد يقول قائل إن المشكلة قد كبرت بتدخل مكاتب الاستقدام.. لكن من أعطى هذه المكاتب الفرصة أن تكون المفاوض والآمر والناهي هي وزارة العمل طوال سنوات سئم الناس خلالها من التصريحات المبشرة بحل الأزمة، ثم تصريحات أخرى تعيدهم إلى المربع الأول. وكما كررت في أكثر من مقال فإن المواطن السعودي هو الوحيد في العالم الذي يعاني هذه المشكلة معاناة تبدأ من الحصول على التأشيرة إلى استقدام عمالة لا يعلم عن معرفتها بالعمل الذي ستقوم به، وأهم من ذلك لا يعلم سجلها الجنائي والنفسي.. ولذا كثر عدد السائقين الذين هم تحت التدريب في شوارعنا كما تقول لوحة على خلفية السيارة.. وكثرت أيضا الجرائم بأنواعها.. والمواطن هو من يتحمل هذه المخاطرة، فالعمالة ليست في مصنعه أو مكتبه وإنما داخل منزله وبين أسرته وأطفاله.. وفي الدول الأخرى وحتى بعض الدول المجاورة لا يكلف المواطن نفسه إلا زيارة لمكتب استقدام يختار خلالها عمالته المنزلية ويقابلهم ثم يتعاقد معهم، وخلال فترة التجربة يعيدها للمكتب ويختار عمالة بديلة.. وحينما أعلن مكتب في دولة مجاورة استعداده لخدمة مواطني السعودية رفض الطلب ومنع إصدار التأشيرات لذلك البلد.
وأخيرا: لا حل لملف العمالة المنزلية إلا بإعادته إلى وزارة الداخلية فهي الأقوى والأقدر على إدارته بشكل يريح المواطن، وهذا ما يريده ولاة الأمر في النهاية، أما وزارة العمل فيكفيها إدارة ملف العمالة للشركات والمؤسسات ومراقبة السعودة فيها وإيجاد وظائف جديدة للشباب السعودي الباحث عن العمل، وتطوير الأنظمة في هذا المجال.
نقلا عن الاقتصادية