3666 144 055
[email protected]
ربما تجلى الآن للجميع أن أزمة السكن وحلولها أكبر من أن تنفرد بها وزارة بصلاحيات مقيدة ومحدودة، وتتحرك في هذا الواقع المأزوم بحلول تقليدية، ومعتادة، لأننا ببساطة مفرطة تجاوزنا الوضع الطبيعي، صنعنا شيئا لا مثيل له في العالم هو تجارة التراب، حولنا الأراضي البيضاء إلى مناجم ألماس يستأثر بها فئة قليلة ومحدودة. إن كل بداية اليوم ستبدو للناس أنها بداية متأخرة، أو كأنها عديمة الجدوى، أو أنها ستعاود السقوط في متاهة التفكير والتخطيط، وأزمة التنظير البارد، الذي لا ينتهي بشيء من النتائج العملية التي ينالها ضحايا الجشع والاحتكار والهبات غير المتوازنة للأراضي لعقود من الزمن. بقليل من الشجاعة في توصيف الواقع، إننا بحاجة إلى مشروع وطني للإسكان يسهم فيه الجميع دون استثناء، ويدعمه الجميع كل حسب قدراته، وتخصصه. ويعتبر هو الأولوية الأولى في مشروع التنمية، الذي يجب أن يكون أول حرف فيها، وأعظم هدف لها.
فمن العسير أن تنجح الوزارة طالما أن الأراضي باقية دون رسوم وضريبة وإعادة تصنيف حيث تخرج من كونها سلعة مدرة للربح، إلى أرض يأوي إليها، أبناؤها ويعمرونها بأجمل العمران وتكون لهم مستقرا وإلى أولادهم مقاما. من الطبيعي أن يغضب الناس على وزارة الإسكان اليوم وغدا وبعده طالما أن نصف رواتب الطبقة الفقيرة تبتلعها المساكن المستأجرة، وهي بأدنى المواصفات، وأضيق المساحة. وطالما أن المالك يحق له أن يتعامل مع المالك بقاعدة الطير المربوط في حبل قصير، فلا هو مقيد عن الحركة تماما ولا هو قادر على الحياة الطبيعية، ففي كل وقت متاح أن تُزاد عليه الأجرة، وفي كل حين يمكن إخراجه، وهو طيلة الوقت يكابد هم عياله من بعده إن نزل به أجله، وتوفاه الله وعياله بلا ملاذ ودون مأوى يأويهم.
إن تحسين الواقع، أو التقليل من شأنه، أو تزييف الحقائق لا يخدم حاضر الوطن ولا مستقبله، إننا فعلا اليوم بحاجة إلى خطة طوارئ للسكن، تشبه السور الأخضر في الجزائر حين رفع الجزائريون شعار “الجزائر تتقدم والصحراء تتراجع”، لوقف زحف الرمال على المدن وابتلاعها بشكل متكرر، حينها كان لا بد من عزيمة شعب بأكمله، وقرار وطني يرفع جميع أبنائه إليه، ويعيش الكل دون استثناء إرادة تحديه، وإرادة تحقيقه والانتصار عليه.
لم يعد ينفع أن يصنع قرار في هذه الوزارة لتبطل معناه وزارة أخرى أو تجعله غير صالح للتنفيذ في وزارة ثالثة، لم يعد ينفع أن نعيد الكلام الذي سمعه الناس مرات كثيرة، والذي تكرر على أسماعهم طيلة خمس سنوات، والذي ينتهي إلى نتيجة الواقع الذي يكابده العدد الأكبر من السعوديين بسبب قلة قليلة منهم.
وفي هذا كله لسنا أول شفق, ولا من سيعيد اكتشاف العجلة، ولا من يواجه قدره في بحر غاضب مظلم، قبل صناعة السفن، وقوارب النجاة، إعادة إعمار أوروبا نفذ ملايين الوحدات السكنية في خمس سنوات فقط، وفي ماليزيا تم استيعاب أزمة السكن في عشر سنوات فقط على مستوى الشعب كله. إذا الأزمة ليست في الفكرة ولا في الأفكار, وفي انعدام الحيلة والوسيلة. بل في كون الوزارة تعمل بالقرار الضعيف المنفرد الذي لا يغني ولا يبني جدرانا من عراء، ولا يعصم الناس من غلاء وشتات، وانعدام الرجاء والأمل والفرص.
في نهاية الأمر: الناس تنتظر نتائج عملية في زمن قصير وبطريقة غير معتادة ولا تقليدية، وهذا يجعلنا نعمل كثيرا ونفسح المجال للناس للكلام عن آمالهم وآلامهم بسعة صدر ومحبة.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734