الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
@binsharidah1
شهد الشهر الماضي حدثين مهمين في سوق العمل على المستوى العالمي والمحلي، الحدث الأول كان من قبل مجلس الوزراء السعودي حيث تم تأجيل اتخاذ قرار بشأن تخفيض عدد ساعات العمل الأسبوعية للقطاع الخاص من 45 و48 ساعة إلى 40 ساعة أي 8 ساعات بدلا من 9 ساعات يومية، وذلك لعرضه لمزيد من الدراسات، فيما كان الحدث الثاني هو أن الحكومة السويدية تتجه نحو إقرار دوام عمل قدره 30 ساعة أسبوعية أي 6 ساعات فقط بدلا من 8 ساعات يومية وذلك بهدف زيادة الإنتاجية وإسعاد المواطنين.
لنأخذ الحدث الثاني كبداية لمحور نقاشنا فهو الأكثر جاذبية وإيجابية وأنا حقيقة أتطلع أن أكون إيجابي معظم الوقت، ففي بداية شهر نوفمبر 2015م قامت بلدية “هور”، في ولاية “سكونا” السويدية، بخفض عدد ساعات العمل بشكل تجريبي إلى 6 ساعات يومية للموظفين دون خفض رواتبهم وذلك قبل تعميم القرار في بداية السنة القادمة 2016م.
في الحقيقة نحن لسنا الشعب الوحيد الذي يبحث عن الراحة أو قضاء ساعات يومية مع الأسرة والأبناء أو مشاهدة برنامج يومي على التلفاز أو متابعة مباريات كرة القدم أو حتى الاستفادة من الهوايات الشخصية كالرسم أو الطبخ أو الأعمال الزراعية أو ممارسة رياضة ما، كذلك المجتمعات الأخرى لديها نفس الطابع والهاجس والرغبة في ممارسة جوانب الحياة بشكل يومي بعيدا عن أجواء العمل والضغوطات النفسية، وهذا كله من الأمور الصحية الفطرية التي تساعد الإنسان على التركيز والإنتاج بشكل متوازن ومستدام والوقاية من الأمراض البدنية.
في دراسة نشرت قبل أشهر على مجلة “لانسيت” الطبية قامت بتحليل 25 دراسة تم فيها مراقبة 600 ألف شخص من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وأستراليا لمدة تصل إلى ثمان سنوات ونصف، وجدت أن الأشخاص الذين يعملون 55 ساعة في الأسبوع هم أكثر عرضه للإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 33% وأمراض القلب بنسبة 13% من الناس الذين يعملون 35 – 40 ساعة في الأسبوع.
واقعيا وعلى الصعيد المحلي لا زلنا نردد ونؤمن بمقولة “تقليل ساعات العمل سينعكس سلبا على الأعمال وإنتاجية الموظفين بل أن زيادة ساعات العمل سيساعد على إنجاز الأعمال في وقتها” وهذا للأسف ينافي الواقع والدراسات الحالية، فكل الدراسات العالمية تثبت أن تقليل ساعات العمل له نتائج صحية وإنتاجية وانعكاسات إيجابية على دخل الشركات ونمو أرباحها فالأقوى اقتصاديا هم الأقل في ساعات العمل، وهذا هو المعمول به أصلا في دول العالم القوية اقتصاديا كالولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا حيث يصل متوسط ساعات العمل إلى 38 ساعة عمل أسبوعية.
لذلك عندما ننظر إلى قرار السويد في تخفيض عدد ساعات العمل للموظفين إلى 30 ساعة أسبوعية نسأل أنفسنا هل يعني أن السويديون لا يملكون أعمال أو مشاريع كثيرة؟ أو هل وصلوا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من الأعمال ويحاولون تقليلها؟ بالعكس هم شعب عملي ومنتج ويملكون مصانع ضخمة ولهم بصمة في عالم التكنولوجيا، لكن مثل هذا القرار تم وضعه ليخدم مصالح الجميع وسيحفز الموظفين على الاهتمام بعامل الوقت وإدارة مشاريعهم بشكل علمي وقياسي وهذا هو المهم.
وللأسف “علم إدارة الوقت” هو ما ينقصنا في مجتمعنا فإدارة الوقت لا تعد من الأولويات في ممارساتنا اليومية، أما من جانب الأعمال والمشاريع فلازلنا نبحر في الأنظمة العشوائية الغير مدروسة مع خلطها بالبيروقراطية التي انعكست نتائجها سلبا على ممارساتنا لأعمالنا اليومية في وظائفنا لذلك نجد أن أصحاب الأعمال يعترضون على قرار تقليل ساعات العمل بحجة أنها ستأثر على أعمالهم وستقلل بذلك إنتاجية الأعمال وستزداد التكاليف على الدولة وصاحب العمل وإلى أخره من الأعذار.
عزيزي صاحب العمل: إن الأعمال دائما تقاس بالإنجاز وليس بالبقاء داخل مقر العمل لمدة أطول، والإنجاز لا يأتي محض صدفة إنما بالتخطيط السليم مع إدراك عامل الوقت بشكل علمي وحديث، فالـ 40 ساعة عمل الأسبوعية كافية جدا لإنجاز الأعمال على الوجه المطلوب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال