الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كل دول العالم تصدر موازنات دورية تفصّل فيها مستويات الإنفاق والإيرادات للسنوات القادمة وما يتعلق بها من مشاريع وخطط. في كل مكان تناقش الموازنات والخطط ويبدي الخبراء آراءهم إلا في المملكة العربية السعودية حيث يناقش من قبل كل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بالإضافة إلى كل فرد من أفراد الشعب تقريبا. الجزء الأكبر من ما تعرضه وسائل الإعلام الأجنبية هو بدافع سياسي دون أدنى شك ابتداء من تناول تحركات أسعار النفط إلى مستويات العجز المتوقعة. في المقابل ينقسم الإعلام المحلي في الغالب إلى قسمين، أحدهما يردد ما يقدمه الإعلام الأجنبي مرفقا بتهويلات وتحذيرات، والاخر يأخذ موقف الدفاع بشكل عشوائي غير علمي. نرى بعد ذلك تراشق الاتهامات بين “المغرضين” و”المطبلين” بحسب التعبيرات التي يصفون بعضهم بها. لا أعمم بكل تأكيد لأنه يوجد العديد ممن تناول الموضوع بشكل ممتاز، لكن غالبية ما يصل للمتلقي العادي غير المختص هو من النوعين المذكورين.
لا شك أن موازنة الدولة مؤثرة بشكل كبير في الاقتصاد والناتج المحلي كونها اللاعب الرئيسي في إطلاق المشاريع الكبرى وتنفيذها ومن ثم إدارتها وتنميتها في مختلف القطاعات. لذلك فإن شركات التطوير التي تنفذ تلك المشاريع سيختلف وضعها عند اختلاف الوضع الاقتصادي، لكن منطقيا فإن تلك الشركات تعرف بوجود الدورات الاقتصادية ولديها من الخبرة ما يكفي لوضع خطط مناسبة لكل مرحلة. الاقتصاد يدخل في مراحل صاعدة وأخرى هابطة على مر التاريخ وهو سيفعل ذلك من جديد في المستقبل. من السذاجة أن تكون أي شركة تنتظر إعلان الموازنة لوضع خططها المرحلية لأن التغيرات الاقتصادية لا تحدث في يوم وليلة، ولا أعتقد أن الشركات الكبرى تفعل ذلك.
هناك جو سائد يتعلق بأسعار النفط والموازنات حيث يقلق الشخص العادي من تراجع الوضع الاقتصادي بما يؤثر على حياته ووضعه الاقتصادي الشخصي. هذا صحيح فيما يتعلق بالمشروعات المستقبلية والصرف العام في مجالات الصحة والتعليم مثلا. بمعنى أن وجود مشاريع أقل سيقلل من الفرص الجديدة المتاحة للنمو والتطور. لكن من جهة أخرى، لا يتم التفريق بين الوضع الحالي والاستثمارات الحكومية المستقبلية. يصور التراشق الإعلامي أن الوضع الاقتصادي إما في بحبوحة غير مسبوقة أو في مرحلة إفلاس. لا حل وسط. الوضع القادم في ظل تراجع أسعار النفط ووجود عجز في الموازنة ليس مرحلة بحبوحة اقتصادية لذلك يميل الفرد العادي إلى تصديق التهويلات المقابلة التي تتحدث عن الكوارث الاقتصادية والإفلاس، وهو أيضا غير منطقي.
أصبح الشخص العادي الذي نتحدث عنه يريد أن يجد رابطا بين كل أموره الشخصية والتغير في موازنة الدولة. أي تراجع اقتصادي يعتبره مدمرا ونهاية المطاف.لا يفرق بين مرحلة اقتصادية تشهد نموا أقل من السابق ومرحلة كساد غير موجودة. تصدر تقارير عن إصدار سندات، فيتداول الناس أن الدولة تستدين وقاربت على الإفلاس ويستشهدون بتقارير المنظمات الدولية. طبعا الاستشهاد دائما بالعناوين الصحفية لأنني لا أتوقع أن كل الناس قرأوا تلك التقارير.
في اعتقادي أن هناك تقصير في تناول المواضيع الاقتصادية التي تخص المرحلة الحالية فحتى التقارير والتصاريح الرسمية أصبحت لا تعجب الناس مع أنها المصدر الحقيقي للمعلومات. لا يتم شرح الأوضاع المتغيرة بشكل يوضح التأثير المباشر على أي وضع حالي موجود. الشخص العادي يريد أن يعرف اذا كان هناك خطرا من عدم قبض راتبه أو من عدم توفر المدرسة لأولاده أو من عدم قدرته على شراء مستلزمات عائلته. لا يتم شرح أنه حتى لو تراجع الإنفاق على المشاريع مثلا فإنه سيقل ولن يختفي. لا يتم التركيز على أنه بالرغم من كل شيء فإن الاقتصاد ما زال متوفعا له أن ينمو وإن بنسب أقل. هناك فرق كبير جدا بين نمو بنسبة أقل وتراجع أو كساد.
تقديم المواضيع إعلاميا بشكل مبسط وواضح سيريح الناس أكثر وسيحافظ على الثقة. أما الاستمرار على ما نحن عليه فإن القلق غير المبرر سيستمر ويتزايد.أتأأأيبي
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال