3666 144 055
[email protected]
أكاديمي متخصص في المحاسبة
[email protected]
مرت بنا طفرة اقتصادية حققت من خلالها المملكة العربية السعودية حجم فوائض قياسية و صنعت من خلالها مشاريع تنمية ذات اهمية ومنافع اقتصادية مستقبلية متوقعة وتجاوزت من خلالها ازمات مالية عصفت باقتصاديات دول كبرى. من استطلع العشر سنوات الماضية يستطيع ان يرى بوضوح ازدهارا بينا في حجم الاستثمار كبير وصغير الحجم لكن ما يجب ان نعيه دوما ان لا شيء يدوم على حال ولهذا تبقى ادارة الازمات الاقتصادية هي العقبة الأهم بالاستعداد المبكر لها( بخطط احتياطية وادارة وقائية) مستحضرين المنهج المستخلص من قصة يوسف عليه السلام في ادارة الازمة الاقتصادية (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون() ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون() ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون).
يظل التضخم من ابرز المشاكل الاقتصادية وهو ابرز محدد للدخل الحقيقي (القوة الشرائية لدخل الفرد او المجموعة). فالتضخم ما هو الا مصطلح اقتصادي يصف ظاهرة التصاعد الطردي المستمر في الاسعار. ورغم هذة النظرة السلبية للتضخم الا انه يعتبر محفزا لبعض المظاهر الاقتصادية الايجابية من جانب اخر، فاحد الاشكال المبسطة لارتفاع الاسعار هو ارتفاع الطلب في مقابل انخفاض العرض مما يحفز الكثير من المستثمرين على التوسع في الانتاج لمقابلة احجام الطلب المرتفعة، وتبعا لذلك انتاج اكبر يتطلب توافر موارد اقتصادية اكبر ومنها بلاشك القوى البشرية والمشاريع الاضافية وبالتالي رقم قياسي للبطالة اقل .. الخ وباختصار ما نريد قوله هو ان هناك جانب اخر ايجابي للتضخم ولكن بما اننا نتحدث عن حدث اقتصادي فيجب دوما ان نعلم يقينا انه متأثر ومؤثر بعدد ليس بيسير من المتغيرات.
الدخل الحقيقي، يمكن ان تشرحه لنا علبة البيبسي بشكل مبسط، قبل 10 سنوات كنت تحتاج خمسة ريالات للحصول على خمس علب من البيبسي لكن اليوم تحتاج سبعة ريالات ونصف لتحصل على خمس علب من البيبسي. هنا نستطيع القول ان القوة الشرائية انخفضت اي الدخل الحقيقي انخفض. ولو أخذنا مثال آخر يوضح الفارق بين الدخل الحقيقي والدخل الأسمي ستكون الصورة اكثر وضوحا لاهمية اعتبار الدخل الحقيقي: اذا كان المرتب الشهري لموظف حكومي ( او ما يسمى بالدخل الأسمي) 10000ريال وليس لديه دخل آخر، و بناءا على المؤشر القياسي لاسعار السلع الاستهلاكية (CPI) من الممكن احتساب الدخل الحقيقي لهذا الموظف لعامين 2010 و 2015 ليكون 8695 ريال في نهاية عام 2010 بينما يكون 7434 ريال في نهاية 2015 (الارقام القياسية من اعداد Trading economics). وهنا يظهر بوضوح انخفاض الدخل الحقيقي للموظف خلال الخمس سنوات الماضية من حاجر 8500 ريال الى ما دون 7500 ريال نتيجة لارتفاع المؤشر القياسي لاسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 17%.
اليوم ونحن امام مرحلة اقتصادية جديدة نحتاج الى مسؤول يعي تماما ان القرارات الاقتصادية تأثيرها متنوع جدا ومنها ما له تأثيرات جانبية غير مرغوبة وبالجانب الآخر مواطن يعي المرحلة ويعلم ان ابعاد القرارات الاقتصادية احيانا تتجاوز مصالحة الخاصة الى ماهو ابعد بكثير واهم بكثير.
لابد من التكامل فلا يجب ان يكون المسؤول غير مبالي البتة بحالة الدخل الحقيقي للفرد محتجا باعتبارات المصلحة العامة ولايجب أن يتبجح المواطن (صاحب الدخل الحقيقي المرتفع) دون هوادة امام انظار المواطن الآخر (صاحب الدخل الحقيقي المنخفض) مطالبا اياه بالجد والكدح والتقشف وجعله السبب الوحيد في انخفاض دخله، كما لا ينبغي ان يستمر صاحب الدخل الحقيقي المنخفض لواما ومحبطا ومتواكلا. فكونك في مقام سلطة وصلاحية لا يعفيك من المسؤولية امام الله عز وجل اولا وامام وطنك ومجتمعك بأن تبدي اهتماما كبيرا للغاية بمستوى معيشة الشريحة المعدمة والمتوسطة قبل المخملية فهؤلاء غالبا ما يمثلون الشريحة الاكثر وهم بذلك المحرك الحقيقي لعجلة الاقتصاد. و كونك منتج ومقتدر ماليا واقتصاديا لا يعطيك ذلك الحق في التندر واستنزاف موارد الطرف الآخر (فلا تنعته بالدلع او العجز او الكسل) فهذه ليست المسببات الوحيدة لضعف دخله فالله عز وجل قد قسم الرزق بين عباده بل يجب ان تكون اكثر برا وصدقا وعدلا فانت تعرف قول الرسول صلي الله عليه وسلم (رحم الله عبدا سمحا اذا باع سمحا اذا اشترى سمحا اذا اقتضى) فالسماحة تشمل الرحمة والاحساس بحاجة الغير وعدم التعالي.
كما أن المسؤول مطالب دوما بما لديه من صلاحيات مناطة بحل المشكلة الاقتصادية او محاولة تخفيض حجم آثارها، ويجب على القطاع الانتاجي داخل المجتمع ان يكون ايضا متكاملا في نظرته مع الرؤية الاقتصادية العامة. فبدلا من الاحتفاظ بمستوى عالي جدا من الارباح يجب ان يقبل المستثمر بمستوى ارباح اقل قليلا دون ان يحاول جاهدا الاضرار بالمستهلك وجعله دوما الضحية من اي قرارات. فبعد ارتفاع اسعار البنزين والخدمات العامة (ماء، كهرباء) اصبحنا نسمع تذمرا من بعض المنتجين ورغبتهم في التوجه نحو زيادة اسعار منتجاتهم تبعا لذلك (بمعنى ترحيل الزيادة بالكامل الى المستهلك). في حالة زيادة التكاليف يكون امرا منطقيا الرغبة في زيادة الاسعار للمحافظة على نفس مستوى الدخل (الربح) لكن هل يجب دائما ان يكون العميل هو الضحية؟
هذا السؤال لا يمكن ان يقدم له جوابا واحدا على انه الاجابة الاصح فالامر يعتمد على أمور كثيرة لكن من ابرزها هو رؤية الشركة او المنشأة الى عملاءها، فهل تعد نفسها هي التي في حاجة اليهم ام هم من هم بحاجة اليها والى منتجاتها. فهذا امر هام بالنسبة للمنتج فاذا كان العميل مجرد تابع وهو الاكثر حاجة اذا هنا كمنتج لن افكر في حساب اي مخاطر متعلقة بعملية ترحيل ارتفاع التكلفة الى المستهلك. حجم المنافسة الحرة عادة يكون هو الاسلوب الامثل لمحاربة مثل هذه السلوكيات الاحتكارية، فنظرة المنشأة للعميل غالبا ما تتأثر بحجم المنافسة (فتملي المنافسة احيانا الرؤية على المنشأة).
لذا يكون على المسؤول مسؤولية اضافية دوما في التأكد من ان القرارات الاقتصادية لا تكون مبررا لسلوكيات احتكارية وتشوهات اقتصادية. يجب ان يعي المنتج أن مواجهة التكاليف لاتكون دائما بعملية ترحيلها وتحميلها على المستهلك بل يجب ان يكون ذلك محفزا له لابتكار طرق جديدة في الانتاج تسهم في خفض تكلفة الانتاج بدلا من المسارعة الى عملية الترحيل.
الاصلاح المالي والاقتصادي لن يشمل فقط توفير الايرادات المطلوبة لمواجهة المصروفات المخططة بل يشمل ايضا مواجهة الهدر والضياع. ومواجهة الهدر تعني مواجهة المصروفات الغير مجدية اقتصاديا بتقنينها وضبطها وحصرها على ما هو نافع. فالمصروفات والنفقات ماهي الا تضيحة بموارد اقتصادية لتحقيق منافع مقصودة وغياب المنافع يعني وجود الهدر والضياع. ولكن حتى تكون المواجهة حقيقية وقوية يجب ان نكون على علم بماهية الهدر والضياع المقصود!! فهل مشاريع البنية التحتية هدر؟
سؤال عائم ويصعب اجابته (فإنشاء مرفق عام مشروع نافع اقتصاديا للمجتمع لكن ماذا لو ان المشروع توقف او تم الغاء فكرة الانتفاع منه بهدمه او تركه بلا انتفاع بعد الانتهاء من اتمامه، فهل تكلفته تعد هدرا؟!!) لكن لو اعدنا صياغة السؤال وقلنا هل القيم المالية المرصودة لمشاريع البنية التحتية مشتملة على هدر وضياع؟ هنا نكون في مرحلة اكثر تقدما في التحليل ولكن ماذا لو اضفنا سؤالا آخر وقلنا هل الهدر والضياع وجد بسبب غياب الآنظمة الصارمة او عدم كفاءة القوى البشرية المهنية؟ ثم نسأل هل الضغوطات الكبيرة على الدخل الحقيقي وتزايدها يرفع من مستوى الأمانة والكفاءة لدى القوى البشرية ام يجعلها تحت ضغط اكبر وفي مرحلة اكثر حرجا؟ ….الخ
الأسئلة كبيرة وكثيرة ومفتوحة على كل مجال وكل عامل من عوامل الحياة، واعتقد ان المسؤولين لديهم الوعي الكامل بحجم عمق القرارات الاقتصادية كما أن المواطن اعتقد ان لديه الرغبة الصادقة في التناغم والتكيف (فطبيعة الانسان سواء في العصر الحجري او العصر التقني التكيف مع صروف حياته سواء خطط لذلك او اجبره الواقع). لذا ما يجب ان يكون محل اعتبار المسؤول والمواطن دائما هو محاولة حماية الدخل الحقيقي وابعاده عن حالة الطوارئ بالتكامل والوعي بمتطلبات المرحلة. فلا يجب ان يكون التقشف واجب فقط على محدودي الدخل وغير ملزم لاصحاب الدخول العالية (ويظهر وعي المسؤول الاقتصادي بذلك، عندما كان قرار ارتفاع تعرفة الكهرباء مختصا بشرائح استهلاك عالية لا يصل اليها عادة الا اصحاب الدخول الأعلى وعلى غرار هذا فقس في مختلف المجالات والقرارات الاقتصادية). وأيضا لا يجب ان يستغل بعض الاداريين والقياديين في مختلف القطاعات الانتاجية الحالة الاقتصادية لحماية مصالحهم في مقابل الاضرار بمن هم تحتهم من موظفين بحجة ضرورة تخفيض التكاليف وتقنينها.
خاتمة: انخفاض الدخل الحقيقي لا ينحصر تأثيره على الفرد بل يتجاوزه الى الحالة الاقتصادية العامة، ولهذا حمايته تعني حماية الطبقات المتوسطة من ان تنصهر لتكون من ضمن الطبقات الأدنى.
النفيسه
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734