3666 144 055
[email protected]
لا شك أن البرنامج الحكومي لتوطين الوظائف وتوفير فرص أكبر للكسب بين المواطنين أمر أصبح ضمن الأولويات التشريعية والتنظيمية والتنفيذية، والخبر الذي يتضمن إعلان وزارة العمل سعودة نشاط قطاع الاتصالات بما فيها من بيع وصيانة الجوالات، حيث سيتم إلزام المحال بتوطين 50 في المائة من هذا القطاع، ثم يتم الإلزام بتوطين هذا القطاع بالكامل قبل نهاية هذا العام، وتحديدا في ذي الحجة المقبل.
واستعدادا لهذا التحول في هذا القطاع، الذي قد يكون كبيرا جدا باعتبار أنه يوجد الكثير من غير المواطنين الذين يعملون في هذا القطاع بشكل ملحوظ، ونسبة كبيرة منهم يعملون في هذا القطاع كنشاط يخصهم، وليسوا موظفين لدى مستثمر من المواطنين، خصوصا مع انتشار ظاهرة التستر في كثير من الأنشطة التجارية محليا، وبالذات قطاع التجزئة الذي يعمل فيه عدد هائل من غير المواطنين.
هذا التحول سيأخذ فترة يمكن أن توصف بالقصيرة باعتبار أن الإلزام بسعودة 50 في المائة من هذا القطاع، لا بد أن يتم خلال ثلاثة أشهر، تليها ثلاثة أشهر أخرى يتم فيها إنهاء وجود غير المواطنين في هذا النشاط تماما، وهذا تحول كبير قد يبدأ فعليا بعد ثلاثة أشهر؛ إذ إنه من المعلوم أن محال بيع الجوالات غالبا ما تكون صغيرة جدا، ويعمل فيها موظف واحد فقط، وفي حال تم إلزام المحال بتوطين 50 في المائة منها، فإن ذلك يعني بالضرورة أن هذه المحال سيعمل فيها مواطن سعودي أو أنها ستغلق، وهذا يختلف عن الحال في الأنشطة التي تم توطينها في فترة سابقة مثل قطاع بيع الذهب وقطاع بيع الخضراوات.
هذا الإجراء الذي قامت به وزارة العمل بالتنسيق مع الوزارات ذات العلاقة تزامن مع الاستعداد لهذا التحول بتهيئة الشباب من الرجال والنساء لإشغال هذه الأنشطة بتقديم مجموعة من الدورات التي تمكنهم من الاستثمار في هذا النشاط، خصوصا مع الاعتماد الكبير على غير المواطنين في هذا القطاع خاصة في مجال صيانة الجوالات التي تعتبر المهمة الأصعب في هذا التحول.
لا شك أن هذا التحول ستكون له آثار مختلفة على هذا القطاع، فهو ليس مجرد قرار بالتوطين، حيث إنه سيؤثر في مستوى النشاط في هذا القطاع الحيوي، وكما هو معلوم أن معظم المواطنين الراشدين في المملكة يستخدمون الجوال، بل أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهم واحتياجاتهم، فهو ضرورة لا يمكن أن يستغني عنها الكثير حاليا، وهذا يتطلب خدمة مناسبة لهذه الاحتياجات في البيع والصيانة والخدمات الأخرى، كما أن العمل في هذا القطاع فيه حساسية نوعا ما، باعتبار أن هذه القطعة الصغيرة تحمل في داخلها الكثير من تفاصيل حياة كل فرد في المجتمع. ولذلك فإن التوطين لهذا القطاع لا يؤثر في المجتمع من الناحية الاقتصادية فقط، بل له أبعاد اجتماعية أيضا.
لا شك أن هناك ما يمكن أن يوصف بوجود قلق من هذا الإجراء، فبعض المختصين يرى أن إجراءات توطين القطاعات، التي تمت في السابق لم تحقق النجاح المتوقع، بل كان لها أثر في ضعف هذه السوق، وتعزيز مركز الشركات الكبرى التي تمارس هذا النشاط، وضعف قدرة المواطن الفرد على المنافسة، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى تقليص المنافسة وسيتضرر المستهلك النهائي، الذي يدفع فاتورة ضعف المنافسة.
لكن المراقب لسوق قطاع الاتصالات يجد أنه يختلف نوعا ما عن التجارب السابقة، باعتبار أن التجارب السابقة جاءت في وقت لم يكن المواطن مشاركا في هذه السوق، والتوطين حينها رغم أنه أخذ وقتا أطول، إلا أن السوق لم تستوعبه بصورة مثالية رغم طول المدة، ولكن في قطاع الاتصالات خصوصا بيع الجوالات نجد أن المواطن مشارك حاليا في هذه السوق، حيث إن الكثير من المواطنين ورغم منافسة القوى العاملة الأجنبية، فإنهم يجدون فرصا جيدة للاستثمار في هذه السوق.
أما فيما يتعلق بالآثار الاجتماعية فإن المواطن بصورة عامة أكثر انضباطا فيما يتعلق بالاحتفاظ بخصوصية زبائنه لاعتبارات متعددة، منها أنه جزء من هذا المجتمع بقيمه وأخلاقه وتقاليده، ويعي تفاصيل خصوصية المجتمع، وما الذي قد يترتب على مجازفته بمخالفته لهذه القيم، ومع ذلك فإنه يفترض أن يتم تعزيز الدورات المقدمة بغرض التوطين بمادة كافية فيما يتعلق بأخلاقيات هذه المهنة والتعريف بالأنظمة الخاصة بالجرائم الإلكترونية سواء في جانبها الأخلاقي أو الأمني.
فالخلاصة أن توطين قطاع الاتصالات فيما يتعلق ببيع الجوالات وصيانتها قد تكون له أبعاد سلبية وإيجابية، ولكن المؤكد أنه إجراء ضمن حلقة مستمرة في توطين القطاعات التي تستهدف توفير فرص أكبر للكسب للمواطنين، وهذا الإجراء قد يحمل أبعادا اجتماعية تميل إلى الإيجابية في مصلحة التوطين، ولكن لا بد من التأكيد على أن تتضمن الدورات الخاصة بهذا المجال وإجراءات الترخيص جوانب تتعلق بأخلاقيات هذه المهنة، والتعريف بأنظمة الجرائم الإلكترونية، ومسؤولية العاملين في هذا المجال تجاه خصوصية زبائنهم.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734