3666 144 055
[email protected]
[email protected]
falkassim@
كان منظر عمال شركة بن لادن في ساحات الحرم وهم يحتجون على تأخير رواتبهم مؤثراً ليس على عواطفنا فقط ؛ ولكن على سمعتنا كسعوديين بشكل عام.
تتكون إمبراطورية مجموعة بن لادن ، من عشرات الشركات في مختلف مجالات الإنشاءات ، داخل وخارج المملكة ، هذه الإمبراطورية ترعرعت وشبت وكبرت في كنف مشاريع الدولة الكبرى ، كانت المشاريع تساق لها بخطامها ، ويتم ترسية المشاريع عليها خارج النظام العام ، وتستثنى من نظام مشتريات الحكومة ، وتعامل معاملة خاصة وإستثنائية بجميع المقاييس .
هذه الشركة كانت هي المخطط والمدبر للمناطق المركزية في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وهي المنفذ لمشاريع التوسعة في الحرمين ، وكل ذلك يتم بشكل إستثنائي ، حتى أن المرجعية في مخططات المناطق المركزية في مكة والمدينة كانت لشركة بن لادن أكثر من الأمانة ومن الجهات الرسمية الأخرى !!
كانت شركة بن لادن رمزاً لقوة البناء والإنجاز والمشاريع الكبرى نتيجة لسوابق خبرتها التي قامت بها ، وكانت مثالاً لما ترغب الشركات المنافسة في الوصول اليها ، باختصار كانت بن لادن في صناعة المقاولات في كفة والشركات الأخرى كلها أو أكثرها في كفة أخرى . كانت الشركة تنمو عاماً بعد عام ، وسنة بعد أخرى ، ويتضخم حجمها ، وتتنامى مشاريعها ، وتتضاعف أرباحها .
هذه الشركة تعتبر ثروة وطنية قامت الدولة ببناء هيكلتها عبر تكليفها بمشاريع الدولة الكبرى ، شركة لم تكن مشاريعها قابلة للخسارة ، لإن فاتورتها تعد وفق نموذج مبني على أساس التكاليف مضاف اليها هامش الربح ، بغض النظر عن حجم تلك التكاليف ولا تفاصيلها ، حتى في زمن الأزمات المالية التي أصابت الحكومة ، كانت شركة بن لادن تحصل على مشاريعها بتلك الأسعار الفلكية التي إنتشرت عنها ، مضافاً إليها هامش ربحي سخي متفق عليه .
كانت حادثة إنهيار رافعة الحرم ، حدثاً مفصلياً في تاريخ شركة بن لادن ، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، فقد زاد القيل والقال عن الشركة قبل الحادثة ، وكان تاريخ ومكان الرافعة كافياً لقرار تاريخي يمهد لمحو أكبر شركة مقاولات إقليمية من الوجود .
إن إنتهاء شركة بن لادن أو تقزيمها لن يعيد الرشد إلى سوق المقاولات ، بل سيكون له تأثيره المتراكم على منظومة كبيرة من الشركات المتعاملة معها فضلاً عن إنكشافها أمام البنوك ومؤسسات التمويل ، والأهم بأن شركة بن لادن سيتم إستبدالها بشركة أخرى على نفس السياق وبنفس المعاملة وبنفس الإمتيازات ، وإن إختلفت الشكليات والآليات بشكل أو بآخر .
تحدثت في أكثر من لقاء ومقال عن خطورة إحتكار صناعة مقاولات المشاريع الكبرى لشركتين تعاملهما الحكومة معاملة الـ VIP، وانتقد الجميع الكيل بمكيالين؛ ففي حين كانت العقود الحكومية التي تطبق على شركات المقاولات وفقاً لنظام المشتريات الحكومية كانت شركة بن لادن وزميلتها سعودي أوجيه يُعاملون معاملة كبار الشخصيات ، فعقودهم تصل إلى مكاتبهم بدون مجهود يذكر في السعي اليها ، وأسعارهم أضعاف أسعار السوق ، ومستخلصاتهم تصرف من شباك الدرجة الأولى ، لذلك يرى كثير من الناس أن القسوة التي تمت مع شركة بن لادن مبررة ، وهي الإتجاه الصحيح .
ومع ذلك كله فهناك قرار صحيح وقرار أصح ، ومع شركة بن لادن فأعتقد أننا ركزنا على الصحيح وغفلنا عن القرار الأصح ، فهذه الشركة تم تسمينها وبناء عظمها ولحمها وشحمها من موازنة الدولة ، نشأت هذه الشركة بسواعد معلمها الأول محمد بن لادن رحمه الله ، ولكنها شبت وترعرعت وعاشت مدعومة من قبل جميع الحكومات التي مرت على المملكة دعماً قل نظيره. وعايشت الشركة سنوات الطفرة العظمى للمملكة والتي حققت لها إمتيازات مالية ومشاريع قد يندر تكرارها في أي زمان أو مكان سواء من حيث الحجم أو حيث النوعية ، بل وسيطرت الشركة على مشاريع الحرمين الشريفين ومناطقها المركزية ، حتى أن الشركة أصبحت وبإمتياز قل حدوثه شركة مُحتكرة لجميع مشاريع الحكومة الكبرى والعملاقة ، لذلك كله بدلاً من قرار تحجيم الشركة ، أعتقد أن القرار الأصح هو الإستفادة من الشركة وإمكانياتها وخبراتها وتجربتها التي لن تتكرر ، والسؤال كيف يمكن أن يتم ذلك ؟
إن تحويل شركة بن لادن أكبر شركة مقاولات إقليمية ، والشركة المحتكرة لمشاريع الدولة العملاقة إلى شركة مساهمة عامة في رأيي هو الحل الأصح ، بشرط أن يشمل ذلك شركة بن لادن وباقي منظومتها العاملة في مجال مواد البناء والإنشاءات ، وأن يتم طرح 70% من الشركة للإكتتاب العام وتبقى 30% للملاك الحاليين ، مع مستوى عالي للحوكمة والإلتزام. هذا التحول في مسيرة الشركة سيكون في رأيي أفضل إستخدام لمكتسبات الشركة، وإضافة حقيقية لسوق المال ، وتوزيع أكثر عدالة للثروة ، وتخفيفاً للخسائر المتوقعة على القطاع الخاص نتيجة إفلاس الشركة فيما لو تم ..
إن تحويل شركة بن لادن إلى شركة مساهمة عامة بشكل جبري ، ليس بدعاً في الممارسة في سوق المملكة فقد سبق وأن تم تحويل شركة الراجحي للتجارة والصناعة إلى مصرف الراجحي قسراً قبل ما يزيد عن ثلاثون عاماً ليتكون مصرف الراجحي كأكبر مؤسسة مالية في المملكة ، كما تم دمج شركات الصرافة وتحويلها إلى بنك البلاد قبل سنوات .
وقد ووجهت تلك القرارات الخاصة بمصرف الراجحي وبنك البلاد ، بتردد ورفض من البعض في حينها ، ثم أصبح الملاك يحمدون ذلك التحول لما كان له من أثر بالغ في إستمرارية تلك الشركات ، ومأسستها ، وسهولة إنتقال الحصص فيها ، وحوكمتها ، إضافة إلى العوائد منها .
لا شك أن هذا التحول فيما لو تم إقراره فهو عمل كبير ، ويحتاج إلى قرارات جريئة ومفصلية ، وبرنامج للتنفيذ ، وخطة عمل تفصيلية ، ولكن لكل مشروع عظيم شرارة تقدحه ، فهل من قرار ؟
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734