3666 144 055
[email protected]
وافق مجلس الوزراء على «رؤية المملكة 2030»، وهي رؤية طموحة، وهكذا يجب أن تكون التطلعات والآمال أكبر حتى من الإمكانات، وعلى الرغم من الطموح الذي في الخطة، مقارنة بالواقع الذي نعيشه إلا أنها تعتبر خطة معقولة وقابلة للتحقيق مقارنة بالعالم من حولنا، فلم تتحدث عن الفضاء ولا عن تحدي الصناعة العملاقة في العالم ولا عن نزع المبادرات الابتكارية في الصناعات الذكية، بل هي خطة رسمت حجما وكما مع قدراتنا وإمكاناتنا الحاضرة لتعظيمها، والاستفادة منها أفضل ما يمكن وإلى أقصى حد من أجل تحسين مستقبل الواقع الذي نعيشه، ونحل مشكلات قائمة فعلا أو متوقعة في القريب.
فمثلا عندما ترسم الرؤية هدفا بأن يتم رفع إيرادات الدولة غير النفطية من 160 مليار تقريبا إلى أكثر من تريليون ريال، فهذا يدفع بسؤال ضخم كيف سيكون حجم ميزانيتنا في عام 2030. هذا الرقم لم تتحدث عنه الرؤية لكنها تضمنته بطريقة غير مباشرة. الواقع الذي نعيشه الآن يقول إن الإيرادات غير النفطية تشكل 27 في المائة من تمويل الميزانية العامة للدولة، ومع افتراض أن الهدف هو قلب هذه المعادلة بأن يصبح تمويل الميزانية بنحو 70 في المائة من إيرادات غير نفطية و30 في المائة إيرادات نفطية، وعند وضع هدف التريليون ليكون رقما للإيرادات النفطية عام 2030 فإن هذا يعني أن تصل إيرادات ميزانية الحكومة في ذلك العام أكثر قليلا من 1400 مليار، وهذا يعني نموا في حجم الإيرادات بنحو 133 في المائة عن الوضع الحالي. وإذا كان هذا هو حجم الإيرادات فإن حجم الإنفاق يجب أن يقابلها، ولهذا نتوقع أن يكون حجم الإنفاق أكثر من 1400 مليار سنويا، وإذا كان حجم إيرادات الدولة، مقارنة بالناتج المحلي يبلغ تقريبا 30 في المائة فإن استمرار هذه العلاقة يعني أن نصل إلى ناتج محلي يبلغ قريبا من خمسة تريليونات ريال في عام 2030.
لا شك أن هذا الرقم يشير إلى توسع كبير في حجم الاقتصاد السعودي، فمن أين ستكون مصادر هذه التوسع الضخم، إذا كنا نريد أن نعكس العلاقة بين دور الحكومة ودور القطاع الخاص في الاقتصاد، الأمور هنا تظل محتاجة إلى قراءة أكثر عمقا، فكيف يمكن القول إننا سنرفع من إيرادات الحكومة غير النفطية بنسبة 600 في المائة، ومع ذلك فإننا نسعى إلى تمكين القطاع الخاص، وتقليص الدور الحكومي. هنا تظهر العلاقات الخفية التي لا بد من الإشارة إليها، فلا يمكن تحقيق هذه القفزة في الإيرادات الحكومية غير النفطية مع بقاء حجم الاقتصاد على وضعه الحالي، فلابد أن يتوسع الاقتصاد بشكل غير مسبوق، وأن يكون مصدر التوسع الرئيس هو القطاع الخاص، ولهذا فإن الخطط التي تستهدف نمو مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى نحو 20 في المائة من الناتج المحلي سيدفع بإيرادات الحكومة غير النفطية بمعدلات مماثلة في النمو، وهكذا الحديث عن الترفيه والسياحة والحج والعمرة، أي نمو مستهدف هناك يجب أن يتم من خلال القطاع الخاص، ولهذا فإن الفرص للازدهار الاقتصادي وتمكين المواطن من مقدرات بلاده، وما تمنحه من ثروات هو مفتاح اللغز في النمو الضخم المستهدف للاقتصاد السعودي. فالفرص لبناء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ستكون كبيرة بل هائلة، وإذا كنا نتحدث عن تشجيع الترفيه والحراك السياحي والثقافي فإن نمو في الأطراف سيكون كبيرا ومليئا بالفرص، المهم الآن هو العمل على بناء بنية إدارية وتشريعية تساعد على إحداث هذه النقلة، وأن تتحرك الأمانات في كل المدن بوتيرة أسرع سواء في إيصال الخدمات أو تقديم التسهيلات وعدم وضع العصي في العجلات الدائرة.
اللغز في العلاقة بين نمو إيرادات الحكومة والنمو التوسعي في الاقتصاد السعودي، وكذلك رفع مساهمة القطاع الخاص يمكن فهمة من خلال الحراك الاقتصادي في رفع الصادرات وتحسين فرص الحياة ورفع مستوى الصحة للمحافظة على حياة الناس، فرفع الصادرات غير النفطية يعني زيادة حجم المؤسسات والمصانع التي تعمل في المملكة، وزيادة عدد السكان والمواطنين والعمال كل هذا يعني دخلا إضافيا في إيرادات الدولة من مصادر شتى، ويعني أيضا اتساع حجم الاقتصاد ليعكس حجم التبادل التجاري مع دول العالم التي سيتم التصدير إليها، لكن كل هذا يعني أن الدولة في المرحلة المقبلة لن تكون منشغلة بتدبير الوظائف للناس ولا بناء الجامعات والمستشفيات، بل بناء بنية تحتية متميزة قادرة على توفير سهولة في الحركة والنقل والتوسع في المناطق الصناعية وسكن العمال، إذ كيف يمكن أن نصل إلى هذه الحجم الاقتصادي ومن خلال القطاع الخاص مباشرة، بينما يهدر العمال آلاف الساعات في ازدحام الطرق أو في انتظار دور للحصول على تصريح أو سرير للعلاج، لهذا أيضا جاءت الرؤية واضحة جدا فيما يتعلق بالمدن السعودية التي يجب أن تكون في مصاف أفضل مدن العالم. هنا تستقيم العلاقات المرسومة بدقة متناهية رؤية طموحة عاقلة ومتراصة. علينا مواجهة تحديات اليوم، وأن نعيد صياغة الكثير من الأنظمة، وأن نقلل من تخوفنا كثيرا، ونمنح مزيدا من الحريات، فالنمو الاقتصادي التوسعي والقطاع الخاص والابتكار والمنشآت الصغيرة جميعها لا تزدهر إلا في بيئة حاضنة من حريات عاقلة.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734