الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
قبل خمسة عشر سنة تقريبا تخرج أحد الشباب من الثانوية العامة في مدينته الصغيرة ، وبدل أن يتجه إلى إحدى الجامعات أو الكليات لإكمال دراسته العليا إتجه لسوق الخضار بتلك المدينة ، وكان يشتري من الحراج بعد صلاة الفجر من المزارعين ويبيع ما يشتريه على أرصفة السوق ولم يكن له مكان محدد ، وكان مُحاربا من كبار التّجار في السوق ومن العمالة الأجنبية . لكنه كان مثابرا مصرا على النجاح ، حتى أنه لفرط حماسته لم يكن يلبس حذاء أثناء العمل .
ما حدث بعد سنوات من الجد والإجتهاد والصبر والمعاناة أن أصبح أحد ثاني أكبر تجار الخضار في تلك المدينة ويمتلك ثلاجة وأخرج جميع منافسيه من العمالة الوافدة من السوق ، وأضعف أحد أكبر تجار الخضار في الحلقة ، ويعمل في بسطته الأن ما يقارب من عشرين عاملا . وأثمرت تجارته في الطماطم والكوسة والخضار مجموعة من العقارات الكبيرة في مدينة جدة وملايين الريالات في حساباته في البنوك ، مع كل ذلك لازال الشاب يعمل بنفسه في بسطته في سوق الخضار وما زال متمسك بروح الفكاهة والمرح مع زبائنه كما بدأ ، لكنه لم يعد ذلك الصغير الذي يعطف عليه الجميع ، بل رجل الأعمال الذي يعلم الجميع أنه يملك ملايين الريالات من بسطته المتواضعة .
أما النتيجة الثانية التي أحدثها ذلك الشاب أنه أصبح قدوة لشباب تلك المدينة فأصبح سوق الخضار فيها مُسيطرا عليه بالكامل تقريبا من الشباب السعودي من أبناء المدينة .
مما يُحزن فعلا أني كلما نصحت شابا بالعمل الحر تأتي ردة فعل كثير منهم ، (سوق الخضار ،،، هاه ، ما عندكم إلا سوق الخضار ؟) ما هي مشكلة سوق الخضار ، والعمل فيه ؟ أطرح هذا الأمر بعد الأزمة التي ضربت سوق الخضار بجدة الأسبوع الماضي بسبب تشديد البلدية على البسطات التي تديرها العمالة الوافدة وعدم إستغلال الشباب لتلك الفرصة التي تكررت للمرة الثالثة .
ما هي مشكلة العمل في سوق الخضار ، فعلا ؟
رصدت ثلاث مشاكل تمنع بعض الشباب من العمل في سوق الخضار ، وقد تجاوزها بعض الشباب بعزيمتهم وإصرارهم حتى في سوق جدة الذي يعد برأيي أصعب أسواق الخضار في المملكة وأكثرها تنافسية وحربا بل وفسادا . والمشاكل الثلاث هي :
يشعر أغلب الشباب بالنقص من العمل في بعض المهن ومنها تجارة الخضار ، وهذه النظرة ما هي إلا إمتداد لنظرة المجتمع الدونية لكثير من المهن المنتجة ، الغريب هنا أنهم لا ينظرون بدونية لبعض الوظائف التي يقل دخلها كثيرا بل لا يقارن دخلها بتلك المهن التي يتعيبون من العمل فيها ، والعامل بتلك الوظائف غالبا ما يكون في أوضاع غير جيدة ، وأقل بكثير من العمل في المهن المحتقرة برأيهم .
لم يكن المجتمع السعودي ينظر بدونية لمعظم المهن وكان يعمل بجميع المهن دون تمييز بما أنها توفر الرزق الحلال ، تغيرت نظرة المجتمع نتيجة الدخول الكبيرة والسهلة بعد الطفرة الأولى منتصف السبعينيات الميلادية ؛ والأن بدأت نظرة بعض الشباب لتلك المهن تتحسن لكن لازال ضغط المجتمع كبيرا، يعبر عنه أحد الشباب بقوله “من بيزوجك إذا عرفوا إنك تشتغل في ……..” وهذا الضغط يجب مقاومته بالتوعية أولا والإصرار على العمل في المهن الكريمة ذات الدخول العالية ، حتى تتغير تلك النظرة المخالفة للدين والعقل والمصلحة الخاصة والعامة .
المشكلة الثانية التي تمنع الشباب الراغب في العمل بسوق الخضار هي الحرب الضروس التي يُقابل بها كل من يدخل ذلك السوق من قبل العاملين فيه من العمالة الوافدة ومن قبل المحرجين فيه وحتى من بعض تجار الجملة الذين يصعبون شروط التعامل مع الشباب إما لعدم ثقته فيهم أو لأن العمالة الوافدة هي من يدير عمله ، وهم يحمون غير السعودي . وتصل الحرب في ذلك السوق مما إطلعت عليه فعلا أن يبيع قدماء السوق من العمالة بضاعتهم بخسارة لإجبار الشباب على الهرب ، خصوصاً أن طبيعة البضاعة عدم القدرة على الصمود لأكثر من يوم قبل أن تتلف . أحد الشباب أضطر لبيع (البصل) بنصف قيمته للوافد بعد أن عجز عن تصريفه وكان في طريقه للتلف .
حل هذه المشكلة سهل جدا وهو بيد الشباب أنفسهم ، فكل قرارات قصر العمل في سوق الخضار على السعودي فشلت بسبب عدم جدية الشباب للعمل في ذلك السوق للسبب الأول وربما للسبب الثالث ، ومن يعملون فيه غالبا هم متسترون فقط ولا يملكون شيئاً . ومهما صدرت من قرارات في هذا الشان لن يكون لها قيمة ما لم يبادر الشباب في العمل بجد وإخلاص وصبر على متاعبه .
أما المشكلة الثالثة فهي برأيي مشكلة حقيقية ولم يصدر بشأنها أي حل حتى الأن حسب علمي ، وهي طول ساعات العمل اليومي والتي تصل لثمانية عشر ساعة يوميا تقريبا . فيجب على العامل في سوق الخضار بدء العمل بعد صلاة الفجر مباشرة بدخول الحراج على ما يرد السوق من المزارع ، ثم بيع ما قام بشرائه طوال اليوم ، ثم دخول الحراج الثاني بعد صلاة العصر، والإستمرار في البيع حتى منصف الليل تقريبا ؛ ولا شك أن هذا العمل مرهق جدا ولا يستطيعه أي أحد .
يمكن للشباب تجاوز هذه المشكلة عن طريق تكوين شراكات لتقاسم العمل بينهم طوال اليوم بحيث لا تزيد فترة عمل كل مجموعة عن ثمان ساعات في اليوم ، وهذا ما تقوم به العمالة . لكن الحل العملي يكمن بيد وزارة التجارة ووزارة الشئون البلدية وذلك بتحديد فترة العمل اليومي بحيث لا تتجاوز الساعة السادسة مساء في الحلقة الرئيسية للخضار ، والتاسعة في محال الخضار خارجها .
أما ما يتعلق بما حصل في سوق الخضار بجدة فعليه علامات إستفهام كبيرة ؛ وذلك أنه تم بشكل مفاجئ دون إعلان ولا تنسيق مسبق مع الوزارة ذات العلاقة كما حدث لسوق الجوالات ليتم تهيئة الشباب للحلول محل العمالة الوافدة ، وذلك التصرف يوحي برغبة القائمين عليه في إظهار صعوبة إحلال الشاب السعودي محل الوافد ؛ ودليلي هو طريقة إظهار المشكلة في الإعلام من حيث حجم التضخم في الأسعار والخسائر لتجار الجملة ، أي أن المواطن تضرر في الجانبين بسبب عدم السماح للعمالة الوافدة بالعمل في السوق . ربما لحاجة في نفس يعقوب .
لكن ماذا لو تم الإعداد لهذه الخطوة كما تم في سوق الاتصالات؟؟!!!
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال