الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عدد ليس بيسير من البشر يسعد ويزهوا بوجود الصلاحية والسلطة التي تمنحه المكانة الاجتماعية و تعطية أحيانا أهمية ذات ابعاد اقتصادية اضافية. ومن هنا نشئت مخاطر الازدواجية وتعارض المصالح( بين المصالح الشخصية والمصالح العامة ). مشكلة تعارض المصالح لا يمكن التوقع او الاعتقاد بانه يمكن القضاء عليها بنسبة 100% وذلك لعوامل عدة ابرزها وجود العامل البشري الذي يصعب قياس توجهاته ويصعب ايضا التنبؤ بمآلاته فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وصفه لحالة البشر او السلوك البشري وكيف انه قد يختلف ويتغير بلا امكانية لتوقع ذلك حتى من الشخص نفسه ( القلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء). فذلك المسئول النقي الصادق الامين القوي قد ينتكس ويصبح خلاف ذلك تماما تحت ضغط ما او نزوة ما لذا هنا تظهر اهمية وضوح وشفافية الاجراءات النظامية والانظمة التي تحكم التصرفات البشرية التي قد تتجه يمنة اويسرة .
تداول الصلاحيات وانتقالها امر نعيشه اليوم وامس وغدا ولكن هل يجب ان يؤثر هذا التداول على سير العمل؟؟ هل يجب ان يكون العمل وجودته ومدى اتقانه مرتبطا بشكل محض بالاشخاص ؟؟ كلها اسئلة تبادرت الى ذهني وانا اشاهد تخوف بعض المجمتع على حال وزارة ما برحيل وزيرٍ ما وبنفس الوقت كنت ارى البعض الآخر متحفزا ومتفاءلا بان يتحقق نجاحا آخر لصالح المجتمع والوطن بواسطة ذاك الوزير او بديله.المفترض والمأمول ان الحال يبقى على ما هو عليه بل وافضل من ذلك لأن الاجراءات النظامية موجودة ولم تتغير والادوات العملية موجودة ولم تتغير اذا النتيجة ان العمل يسير على نفس الوتيرة ولكن بروح قيادية جديدة تتطلع لتحقيق التطوير. لكن هل تلك الروح القيادية الجديدة تعي بان المواطن سيظل مقيما ومراجعا لمستوى الاداء (جانب من جوانب محاسبة المسئولية)؟ وعندها سيبدا اطلاق احكامه حول المرحلة القادمة. بمعنى أن انتقال الصلاحية من شخص الى اخر يجب ان لا يعني زوال المسئولية عن احداث ماضية ولا تأرجح سير العمل نتيجة لذلك (بافتراض دائم وهو ان التطوير هو تغيير للأفضل).
محاسبة المسئولية يعيب على هذا المصطلح ضبابيته احيانا و توسع معناه احيانا اخرى لكن يظل المعنى الواضح والسهل للاستنتاج السريع هو مراجعة المسئولية او الرقابة على اساس المسئولية. فحين يمنح فلانا من الناس الصلاحية يفترض ان تكون هناك توقعات معينة مطلوب منه التوصل اليها وانجازها، حتى يمكن بعد ذلك قياس الاداء وعلى غراره تقييم المرحلة. ولكن غياب المعيار وعدم تمييز الصلاحيات والمسئوليات هذا نهاية لا يخدم عملية القياس والتقييم بل يساعد على صلاحيات فضفاضة وبالتالي قوى سلطوية اعلى من اللازم قد تؤدي الى تشوهات اداءية غير مرغوبة ابدا. لذا تداول الصلاحية وانتقالها ليس عيبا بل هو مطلوبا ومرغوبا متى اوضحت مرحلة القياس والتقييم انحرافا سلبيا جسيما عن الخطط المنشودة والاهداف المرجوة او ان هناك امكانية لتحقيق كفاءة اعلى ومستوى اداء اكثر اتقانا.
محاسبة المسئولية داخل منشآت القطاع العام عادة ما تنحصر في كفاءة الانفاق ومدى تحقيقه للاهداف الاستيراتيجية للدولة ومن ثم للمؤسسة او البرنامج. فالموازنة العامة للدولة حين تصدر فهي تعنى ببندين اساسيين هما النفقات والايرادات، فلن نتحدث هنا كثيرا عن موضوع الايرادات وكيفية تعظيمها، سنقتصر على الحديث عن مراكز التكلفة المختلفة داخل المؤسسات العامة في الدولة فمثلا المؤسسات التعليمية والعسكرية والصحية والامنية …الخ كلها مؤسسات تقوم بعمليات انفاق مختلفة من اجل تحقيق البرامج والاهداف التي وجدت تلك المؤسسات لتحقيقها، فيفترض ان الصلاحية لكل مركز تكلفة (مركز انفاق) تحمل معها بشكل ملاصق المسئولية عن تلك المراكز والمؤسسات.
نظريا نرى ان ذلك ممكننا وان المسئول فعلا يعي مسئوليته الكاملة عن ادارة التكلفة داخل المركز المعين لكن واقعا نرى خلاف ذلك احيانا كثيرة، فكثير من المشاريع المتعثرة وكثير من الارقام الفلكية لمشاريع غير استيراتيجية وغير ذات نفع اقتصادي كبير جدا وكثير من التشوهات الوظيفية التي تؤدي الى انفاق غير موجه واعمال بطيئة السرعة ورديئة الجودة. فهنا يمكن ان تكون التكلفة احد اهم الاساسات المستخدمة في تقييم مستوى الاداء ومحاسبة المسئول عن تلك التكلفة. طبعا لا تعني ادارة التكلفة دائما تخفيضها اي نعم تخفيضها وتحقيق نفس المستوى من جودة النتائج امر مستهدف ومرغوب ومفضل لكنه ليس دائما ممكن الحدوث للعلاقة الطردية بين الجودة والتكلفة لكن المقصود بادارة التكلفة هو على حد ادنى ان تكون تلك النفقات (التكاليف) ملموسة التأثير بمعنى حين تنفق وزارة من الوزارات نفقة معينة بحجم كبير على مشروع معين يفترض ان يكون لذلك المشروع جدوى اقتصادية مستهدفة و يتم ملامستها بنهاية البرنامج او المشروع. خلاف ذلك يصنف على انه نوع من الهدر فمثلا انفاق ملايين الريالات على ملعب رياضي او مستشفى تنتهي معه فترة التنفيذ المخططة والمشروع لا زال متعثرا لسنوات هنا هل النفقات حققت المغزى الاقتصادي منها ؟؟ لا اعتقد ذلك!! وقس على ذلك عددا ليس بيسير من البرامج والمشاريع التنموية. لذا لابد ان يرافق نشوة الفرح بالتكليف والحصول على الصلاحيات الشعور بعظيم المسئولية الناتج من وضوح اهداف التكليف ومقاييس التقييم للاداء.
ليست المشكلة في ان يأتي فلانا من الناس ويرحل اخر انما المشكلة الاكبر في ان الجديد أحيانا يتملص من المسئولية عن الاخطاء السابقة متوقعا ان مرحلته هي مرحلة خاصة وغير متصلة بسابقة فهذا اول طريق للفشل او اول طريق لعدم تحقيق الاهداف المرجوة. فلا يعقل ان ينفق ملايين الريالات على مشروع معين برؤية شخص معين ثم يأتي اخر فيوقف ذلك الموضوع بعد كل ما تم انفاقه بتبرير الخطأ من السابق ورمي كامل المسئولية على سابقه. فنحتاج دائما الى ان يعي المتلقي للخدمات والمجتمع باكمله ان لا انقطاع للمسئولية واننا كما ان نكون في لعبة تتابع كل منا يحمل الصلاحية والمسئولية لجزء من الوقت لكننا نعمل جميعا كفريق لهدف واحد. على نحو صغير تجد في بعض الوزارات او القطاعات الحكومية ذلك الاثاث المتكدس الغير مستخدم في حين تجد قطاعات اخرى تعاني الاثاث القديم الرث الغير لائق، فهذا نوع من الانحراف الغير مقصود، والسبب ان البرنامج بعد ترسيته وانفاق مبلغه تغيب مع ذلك نفس حجم مستوى الرقابة. الرقابة ان لم تكن روحا تمتلأ في اجساد المراقبين فستظل لوائح واجراءات روتينية غير فاعلة الى حد كبير تظهر معالم فشلها جليا في اهتراء الأصول وهدر الأموال (فالرقابة نوع من الصيانة).
ليست ادارة التكلفة في منع تطوير العاملين بحجة تخفيض التكاليف او حجب الحوافز المادية عن العاملين الاكفاء بحجة خفض التكلفة او استخدام برمجيات واجهزة اقل قدرة وكفاءة وجودة بحجة تخفيض التكاليف وانما تعني تدنية التكاليف الغير نافعة اقتصاديا الى اقل قدر ممكن والتخلص من التكاليف الكمالية الغير محورية في اداء العمل وتحسين جودته. فنحن دائما حين ننادي بكفاءة الانفاق وتعلية حجم المسئولية نعاني من الفهم الغير مقصود لذلك بأنه مناداة الى تخفيض الانفاق على البرامج النافعة اقتصاديا ومحاولة تخفيض التكلفة على حساب جودة العمل.
خاتمة: الصلاحية بلا رقابة ومحاسبة تعني اللا مسئولية فمن سيحبس نفسه مسئولا وهو لا يرى تأثيرا لخطأه ولا عواقب لفعله حسن او ساء. فنحن نصنع اللامسئولية بتغييب معايير قياس الاداء والرقابة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال