الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكاديمي متخصص في المحاسبة
Yasseralnaf@gmail.com
في كل مرة أزور فيها مطاراتنا المحلية أجد نفسي مجبرا ( لما قد أكون مررت به من تجارب غير جيدة سابقا) لعمل مقارنة ذهنية. فتتدافع التساؤلات مثل هل تحسّن الحال؟ هل هذه الخدمة لم تكن موجودة؟ هذه الخدمة لازالت بردائتها؟ ما أطول الانتظار ؟ ما اصغر المساحة؟ اين البشاشة ؟ اين الاناقة؟ واحيانا ابتسم واقول جميل هذا الامر تحسن كثيرا!!
قطعا مطاراتنا كحال كثير من المشاريع التنموية الاخرى ينقصها التخطيط طويل المدى الذي يراعي زيادة كمية البشر في العالم وتغير الظروف البيئية والمناخية و التقلبات الفكرية والحضارية للمجتمعات. فحين يتم انشاء طريق او مطار او ملعب او مستشفى يغيب في كثير من الاحيان على ذلك المشرف على المشروع اهمية توافر الطاقة الكافية القابلة لاستيعاب متطلبات المستقبل.
فاليوم ونحن امام صالات جديدة تفتتح و مطارات حديثة تنشأ، هو أمر جميل قطعا الاهتمام والالتفات الجاد الى المطارات لكن يجب ان لا نكرر نفس الخطأ من جديد فلابد ان تكون تلك الصالات والمطارات قادرة على استيعاب اي تغيرات متطلبة في المستقبل دون ان يعني ذلك تحمل لتكاليف انشاء من الصفر. فمثلا لدينا صالات في مطارات محلية دولية يعيب عليها ضيق المساحة الغير مبرر حاليا وقد يكون مبررا وقت انشاءها. فتأتي وقت الصيف الى المطار و تشاهد تلك الجموع المتداخلة وتلك الصفوف المعوجة والغير منتظمة والسبب ان المشرف او المنظم داخل الصالة لا يستطيع التمييز بين تلك الجموع فهذا رحلته الى ماليزيا والاخر الى اوروبا والثالث الى الخليج العربي وهكذا فالقدرة على التصنيف والترتيب تكون ضيقة جدا بسبب عدم وجود مساحة كافية تعطي ذلك المنظم القدرة على ادارة المشهد والفرز ومن ثم التنظيم. لذا الان وبتمام الصالات الجديدة والمطارات المستحدثة لابد ان نعي ذلك جيدا وان كان غاب عنا لابد من حلول وتعديلات قبل بداية التشغيل الفعلية حتى لا تكون التغيرات مستقبلا اكثر صعوبة وتكلفة.
أول ما تسقط عليه عين الزائر الى المملكة العربية السعودية هو المطار، وأول ما يعبر عن نظامنا وحضارتنا وتعاملنا كمجتمع هو الكادر البشري داخل المطار، فحين تجد كادر غير لبق وغير انيق وغير مؤهل او حتى غير محفز عندها تخيل ماذا ستكون القراءة لدى شخص للتو وضع قدمه على أرض المملكة. هناك اعمال تطويرية واضحة تحاول تصحيح ما افسده الدهر، ففي كل مرة اجد تحرك معين داخل المطارات، فمثلا قطاع الجوازات بتوظيفه الشباب وتعميقه لاستخدام التقنية و ايضا توحيده المميز للعاملين بالزي الرسمي كلها خطوات تطويرية واضحة وملموسة. لا يكفي ابدا الاهتمام بالشكليات وان كان مهما جدا جدا داخل المطارات لانه يصنع الانطباع الاولي لدى المسافر الزائر، لكن يحتاج الموظف حتى فعلا يتغير ويتطور كحال لباسة ان يحفز بوسائل التحفيز المختلفة ليكون ما يقدمه ذا اهمية له نفسه قبل ان يكون للمطار و للمجتمع والوطن. موظفي المطار انفسهم تزينوا بربطة العنق الخضراء وهو اجراء تطويري بلا شك ولكنه قاصر، فلابد ان يعي الموظف ان الزي ليس متطلبا وظيفيا فقط فلابد ان يعرف مغزى واهمية ذاك المتطلب حتى لا يكون لباسه رثا و الجميل به فقط ربطة العنق الخضراء!!. اليوم تشاهد الصالات الفاخرة التي تبنى وتخصص لمن لديه لحظات انتظار طويلة او يمتلك عضويات في خطوط الطيران، لذا تغير منظور المطارات من كونها ميناء لاستقبال الطائرات الى كونها مكان ضيافة للمسافرين وحين تغير التركيز يكون من الطبيعي تغير توجه العمل. التركيز على راحة المسافر لن يعني ابدا اهمال الجانب الاخر وهو تنظيم الرحلات والطائرات وتقليل نسبة التأخير والتأجيل والالغاء والصعود والنزول من والى الطائرات ونحوه.
يجب التأكد من أن الكفاءات الادارية داخل المطار تتواءم مع المرحلة الحالية والمستقبلية. فنحن نعاني في كثير من القطاعات من تلك الكفاءات الادارية التي لا تزال تعيش فكر الثمانينات او التسعينات ولاتريد التطوير. حيث انها تفهم التطور الاداري على انه خطر يحاصرها لانها لا تملك القدرة على السيطرة على ذلك النوع من التطور. فلا زلت لا أفهم قلة عدد مشرفي الصالات ووجود عدد ليس بيسير من المشرفين الغير سعوديين رغم وجود العدد الوفير من الشباب السعودي الراغب والمالك للمؤهل لشغر مثل تلك الوظائف. ايضا لا زلت لا أفهم عدم الاهتمام بالسوق الحرة داخل المطار و ايضا صالات الانتظار التي لا زالت تضظر البعض للانتظار واقفا وقت الذروة. كما انني لا زلت لا افهم عدم تنظيم السيارات خارج المطار التي تقدم خدمة النقل فبعضها شركات ومؤسسات تقدم الخدمة في وسط الطريق فلا تشاهد مكاتب صغيرة او حتى لوحة تعرف بالشركة وانما يأتيك عامل او موظف ومعه أوراق ويوقع على ورقة او ورقتين ثم يرسلك لسيارة. التنظيم لا يعني ارتفاع الاسعار، التنظيم لا يعني زيادة الاعباء الادارية، التنظيم لا يعني قطّع الارزاق، فهذه المفاهيم المشوهة لمفهوم التنظيم لابد ان تواجه لنصل الى 2030 محققين للاهداف. فالتنظيم يعني صناعة الانطباع الاولي اللائق بالمملكة العربية السعودية. التنظيم بعني حصر وتقليل المخاطر الامنية والقانونية، التنيظم يعني مستوى خدمة افضل وراحة اكبر للمستخدم لمطاراتنا. التنظيم يعني راحة الموظف بمعرفة الاعباء التي هو مسئولا عنها و بالتالي يكون اكثر معرفة واكثر ثقة واكثر حافزية لتقديم الخدمة. التنظيم يعني زيادة الفرص الاستثمارية فالمستثمر يعرف كيف يقدم الخدمة وكيف ينافس لاستقطاب المسافر او المستخدم لخدمته.
العبء لا يقف على موظفي المطار فقط بل يجب ايضا ان تكون ادارة المطار صارمة وواضحة ومحفزة لخطوط الطيران التي تقدم الخدمة من على أرض المطار بان تقدم خدمة مناسبة للمطار و للبيئة المراد تعزيزها في المطار. فان كنت ارغب في ادارة الجموع يجب ان تكون الخدمة المقدمة من موظفي الخطوط عند تسجيل الدخول اكثر سرعة حتى لا تتكدس الصالات بالاجساد. ايضا يجب ان اضمن كمطار ان لا تحتوي تلك المكاتب الممثلة للخطوط على موظفين صناع للخلافات فهنا يرتفع الصوت وهناك يتدافعون ومن هناك يتقاذفون العبارات النابية. ضغط العمل ليس مبررا ابدا لقلة الاحترام ولتدني مستوى الخدمة لان هناك الحلول العديدة لتخفيض الضغوطات.
رؤية 2030 التي هي اليوم ستكون روح العمل القادم احد اهم اجزاءها هو تنشيط القطاع السياحي. باعتقادي ان احد اهم النقاط في القطاع السياحي هو المطارات ومستوى الخدمة المقدمة بها. تخصيص المطارات لن يغير الكثير ان كان سيعكس نفس حال بعض الشركات التي تحولت من كونها قطاعا عاما الى كونها شركة مساهمة (او قطاع خاص) حيث ظلت شركات غير قادرة على فهم لغة المنافسة. لذا تخصيص المطارات هو نهج عالمي كثير من الدول تنتهجه ولكن قبل ان نقوم بذلك علينا ان نحدد الهدف من التخصيص هل هو التطوير لمنتجات المطارات او الخدمات المقدمة من خلالها او هو فقط لتخفيف العبء على الميزانية او انه يجب ان يحتوي كل ذلك. أيضا يجب ونحن نتوجه الى التخصيص ان نحدد رؤيتنا للمطارات هل هي مكان لاستضافة المسافرين من كافة اقطار الدنيا ام هي فقط ميناء لاستقبال ومغادرة الطائرات؟ أيضا حتى نضمن مواءمة تلك الشركات وكفاءتها للتعبير عن المملكة العربية السعودية بالشكل المناسب علينا ان نحدد الانطباع الاولي الذي نريد صناعته من داخل صالات المطار!
خاتمة: الانطباع الاولي يحدد كثير من التوجهات والقرارات. بعد ان يحط المسافر قدمه على المطار يبدأ المقارنة والتحليل حتى يقرر إما ان يمد رجلية كأبي حنيفة حين انكشفت له الامور، او يستمر في قبض قدمية رهبةً واعجابا بما يرى و يلامس.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال