الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
محلل مالي واقتصادي
Economy_Affairs@
كانت كوريا الجنوبية دولةً تغوص في أوحال الفقر، والجميع ينظر إليها كدولة متخلفة لا يمكن أن تتقدم، وكانت تعتمد في ميزانيتها بنسبة 90% على المساعدات الخارجية، حتى أن شحنات الأكل عندما تصل عبر البواخر، يتقاتل عليها الناس من شدة الجوع والحاجة. كوريا الجنوبية التي لا يعرف عن ترتيبها العالمي سوى أنها دولة فقيرة في مؤخرة الركب، حتى قال عنها رئيس وفد الأمم المتحدة آنذاك، فينجاليل مينون: “هذه الدولة ليس لديها مستقبل، حتى بعد مائة سنة من الآن، فكيف لزهور الروز أن تنبت في المخلفات؟”
لكن بعد ستين سنة فقط، أصبحت كوريا الجنوببية المجهولة في ترتيبها في صدارة دول العالم، واحتلت المركز الثالث عشر اقتصادياً، وخالفت كل التوقعات، وتقدمت على كثير من الدول (التي تملك الموارد الطبيعية ولم تحسن استغلالها). فهل كانت تملك النفط الذي يتدفق من باطن الأرض لعشرات السنين؟ أو تملك القوة العسكرية الذي جعلتها تحتل الدول وتسرق ثرواتها؟ مالذي فعلته كوريا الجنوبية، التي أصبحنا نرى منتجاتها يومياً في حياتنا (كسيارات هونداي)؟! أو اللابتوب الكوري الذي يقرأ البعض منا هذا المقال عن طريقه؟ أو أجهزة سامسونج الشهيرة في بيته؟ مروراً بمغسلة الملابس والثلاجة وانتهاءً بالجوالات؟ وغيرها من المنتجات الكثير التي تغص به أسواقنا الآن. ماسبب هذه القفزة الكبرى التي قال عنها آلفن توفلر، وهو كاتب أمريكي لمجلة فورتشن ومهتم بالسياسات المستقبلية للدول: “كوريا الجنوبية مرت بشكل مذهل وعجيب بتحول تكنولوجي سريع وناجح. إنه حقاً لأمر رائع!”
إن سر التقدم الكوري هي النقطة التي أثارتها ماكنزي في تقريها عن الاقتصاد السعودي وشددت على أهميتها. السر هو التعليم الذي قالت عنه ماكنزي في تقريرها عن الاقتصاد السعودي أنه يعاني بشدة، ووصفت مستواه مقارنة بالدول العالمية “بالضعيف!” التعليم الذي لم يهيء له المناخ في بلادنا للمعلمين الذي يربون أجيال المستقبل! التعليم الذي بات يحصد أرواح المعلمات في ذهابهن للقرى والمدن النائية! التعليم الذي لا نثق فيه رغم استثمارنا فيه لعشرات السنين ولذلك نبتعث أبنائنا في الخارج! التعليم الذي قالت عنه ماكنزي يشكل 25% من الميزانية السعودية! التعليم الجامعي الذي قالت عنه دراسة ماكنزي، انه انخفض مستواه 50%، في الوقت الذي تتقدم، بل تقفز، فيه الدول إلى مستويات جديدة! (صورة مع التحية لوزير التعليم الجديد).
أخذت كوريا الجنوبية على عاتقها التعليم، فبدأت تدرسه لأبنائها حتى في الشوارع، وأولته الحكومة أولى أولوياتها، فبدأ الأطفال يقطعون الكيلومترات للوصول إلى مقرات التعليم المتواضعة، فكان هو الاستثمار الوحيد الذي آمنت أن تضع فيه الحكومة كل طاقتها، إيماناً منها بأنه إن نجح، نجح كل شيء، وإن فشل، سيفشل معه حتماً كل شيء! وهو ما حدث بالفعل، نجح الاستثمار في التعليم، فأصبح يصدر لسوق العمل كفاءات عالية مؤهلة، كانت هي نقطة التحول في اقتصاد هذه الدولة المكافحة.
شكلت كوريا الجنوبية المجلس الاقتصادي للدولة، وأعطته الصلاحيات اللازمة للتطوير، واستغلال الميزانية فيما يخدم خططها المستقبلية، وبدأت أول خطوات النجاح بأول خطة خمسية للدولة. لكن العائق كان كيف يتم جلب أموال المستثمرين الأجانب؟ فبدأت ترسل مواطنيها للعمل في الخارج، والعائد من الضرائب لها عن طريق مواطنيها كان هو الضمان للدول التي ستقرضها للتنمية الاقتصادية. ولإن ذلك لم يكن كافياً، بدأت تستثمر في صناعات جديدة، كالحديد والبتروكيماويات وصناعة السفن والآلات والمعدات، لتكون الآن كوريا الجنوبية من الدول الرائدة في صناعة السيارات والأجهزة.
نقطة خروج: “العلم يرفعُ بيوتاً لا عماد لها، والجهلُ يهدم بيت العز والكرمِ!” –أبو العلاء المعري
(المصدر “بعد التعديل”: The Korean Foundation: YouTube: Secrets behind Korea’s Economic Success)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال