الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحدثت في المقال السابق عن أهمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة للاقتصاد إجمالا، والاقتصاد السعودي خصوصا لما يمر به من مرحلة انتقالية، تحوله إلى اقتصاد منتج بعيدا عن النفط. ولأجل دعم انطلاقة هذه المنشآت وزيادة حجم تمثيلها من الناتج المحلي، فهي في حاجة إلى دعم استثنائي، في مجالي المالية وبيئة القوانين المصاحبة لها. الدعم المالي سببه اختلاف هيكلة المنشآت الصغيرة والمتوسطة عن البيئة الاقتصادية السعودية وما تقدمه الصناعة المالية القائمة من منتجات. فالمنتجات المالية الحالية لا تناسب مشاريع المنشآت الصغيرة والمتوسطة كونها لا تعتمد على كمية كبيرة من الأصول الملموسة. ولكن على الرغم من ذلك، فإن حجم مبيعاتها والنمو السريع فيها هو ما يعول عليه لنجاحها. وبذلك تكون صيغة التمويل الأنسب لمثل هذه المشاريع هي المشاركة بجميع أشكالها.
ليس بالضرورة أن تكون المشاركة في رأس المال أو الحصص العينية والنقدية، بل يمكن أن تمتد لتشمل الإقراض بهدف المشاركة في النشاط. والصيغة التمويلية الأقرب لتحقيق هذا الهدف هي التمويل بطريقة المضاربة. فالمضاربة تحمل كل مخاطر فشل المشروع على صاحب رأس المال، في حين يخسر المضارب جهده ووقته. وهو ما يتوافق مع مبادئ الاقتصاد الحر، فهو يستهدف السماح لأصحاب المشاريع بالفشل مرة بعد مرة، حتى يصل إلى نجاح يغطي تكاليف المراحل الفاشلة السابقة. ولكن المشكلة في صيغة المضاربة أنها لا تناسب الصناعة المصرفية القائمة حاليا، حيث إن مستوى المخاطر الذي يتحمله رب المال غير مقبول للمؤسسات المالية التي تعتمد على استقبال الودائع والحفاظ عليها.
مستوى المخاطر المرتفع لا يحد من جدوى تمويل المشاريع، فكلما ارتفعت المخاطر، ارتفعت معها العوائد المتوقعة. ولكن حتى تتحقق أهداف صيغة المضاربة التعاقدية، فلا بد أن تعي جميع الأطراف المتعاقدة مسؤولياتها وما تقدمه بواقع صيغة المضاربة. فكما أن صاحب رأس المال يتحمل كامل مخاطر الخسارة المادية، فإن على المضارب، صاحب المشروع، أن يقبل بتقديم عائد يتناسب مع مستوى المخاطرة. هذا العائد سيكون أعلى مما تقدمه المصارف التجارية في خدماتها التمويلية الاعتيادية، ولكن على صاحب المشروع ألا يقارن بين التمويل المصرفي والتمويل بصيغة المضاربة. فعقد المضاربة يبعد عنه الكثير من المخاطر وإن كانت تقلص هامش ربحه ومدى حريته في إدارة المشروع بطريقته. أما على جانب الممول، فإن صناديق رأس المال الجريء هي وحدها القادرة على تحمل مخاطر المشاركة بمختلف صيغها عند إيجاد البيئة القانونية القادرة على استيعابها.
محدودية العمل بعقود المضاربة وبالتالي ثقافتها المصاحبة لها على المستويات الإدارية والمالية والقانونية هو ما يحد من انتشارها لمساعدة رواد الأعمال. نشر هذه الثقافة هو الدور الذي يجب أن تلعبه حاضنات الأعمال. فهي التي ستعمل مع صناديق رأس المال الجريء على دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة. فالدور الذي تلعبه الحواضن من توعية وتجهيز للكوادر اللازمة لإدارة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وبالتالي ما ستجمعه من تجارب ومعلومات، سيكون هو المحور الأساس لصياغة القوانين والأنظمة التي تهيئ بيئة صالحة لتنمية المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال