الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
كانت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد لأمريكا مميزة بكل ما للكلمة من معنى ، من حيث التوقيت ، والمجالات التي شملتها ، والتغطية الإعلامية الدولية التي لم يسبق لها مثيل لأي زيارة سعودية لأمريكا ، والإهتمام الذي لقيته الزيارة من مختلف القطاعات الفاعلة في المجتمع الأمريكي ، الرسمية والاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني . والتعليقات التي صحبت الزيارة والتي تلتها من المؤسسات والشخصيات الأمريكية تدل على أن تأثيرها كان قويا خصوصا في كسر الجمود والتململ الذي أصاب العلاقة السعودية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة نتيجة الأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة .
ثلاث محطات من زيارة سموه كانت بالنسبة لي واسطة عِقد الزيارة وعلامتها البارزة. المحطة الأولى زيارته لوادي السيلكون الذي يضم أهم وأشهر شركات التقنية في العالم ، وفيه تتطور تقنية العالم وتُدار ، ولقاءه بالسعوديات والسعوديين العاملين في الوادي مؤشر على أهميتهم في نظرة المملكة المستقبلية ، وتأكيد على التوجه السعودي نحو التقنية الحديثة التي عمادها شباب الوطن .
المحطة الثانية زيارة سموه لشركة فيسبوك ورئيسها التنفيذي العبقري مارك زوكربيرغ وأيا كانت الأهداف الإعلامية أو الاقتصادية خلف اللقاء ، إلا أنه لم يكن عاديا أبدا فالحميمية التي صحبت اللقاء والصور الكثيرة التي خرجت منه وتجول سموه في الشركة ، كل ذلك يدل إهتمام بهذا النوع من الإستثمارات ، وهو رسالة واضحة للشباب على التوجه الذي ينبغي أن يتوجهوا له ، فمثل هذا العبقري نريد شبابنا .
وأكد ذلك التوجه المحطة الثالثة في زيارة سموه وهي لقاء المدير التنفيذي لتويتر ، وإن لم تكن بنفس حميمية وبروز زيارته لفيسبوك إلا أن ذلك لا يقلل من أهميتها ودلالتها في التوجه المستقبلي لإستثمارات المملكة، والأهم دلالتها في نظرة سموه للشباب المبدعين. كما بدأت زيارة سموه لفرنسا بلقاء رواد الإبتكار الفرنسيين ما يعني التأكيد على أن وجهة الإستثمارات السعودية المستقبلية نحو العقول والإقتصاد المعرفي . فالعقول ثروة لا تنضب بالإستهلاك بل تنمو ولا تتراجع أسعارها بكثرة المعروض بل ترتفع وتزداد ، لذلك الإستثمار في العقول هو الإستمثار الأنجح والأكثر عوائد والأدوم والأقل مخاطرة وتكلفة . وكل الدول التي إستثمرت في عقول شبابها حققت نجاحا مذهلا لم تفشل بعده أبدا بل تنتقل من نجاح إلى أخر .
وعلى مر التاريخ كان الإستثمار في العقول قاعدة عودة الأمم للقمة في حال مرت بها ظروف أسقطتها ، واليابان وألمانيا مثالان شاهدان على ذلك ، بل حتى روسيا اليوم ليست هي روسيا التسعينيات .
وحتى نستثمر في عقول شبابنا والإقتصاد المعرفي بوعي وننطلق إلى المستقبل على أساس متين لابد أن نعرف القاعدة التي نقف عليها الأن ، ولا يجب أن نخدع أنفسنا بتفاؤل غير منطقي ولا واقعي ، كما لا يجب أن نبخس أنفسنا حقها إن كان لدينا ما يستحق أن نعتمد عليه ونركن إليه فيما يتعلق بالإستثمار المعرفي .
ولأننا بدأنا من أمريكا لنستخدم الأسلوب الأمريكي في إيراد الأخبار بالبدء بما هو جيد ونذكر ما هو جيد لدينا . وأول الأمور الجيدة التي نفخر بها هو أن لدينا شبابا متميزا فعلا ويمكن الأعتماد عليهم والثقة بهم ، ومنهم من قابلهم سمو الأمير في وادي السلكون وفي أمريكا عموما . وثقتي بالشباب السعودي ليست من باب التعصب لشبابنا وهو حقي لكن من واقع حقيقي ونجاحاتهم تشهدها كُبرى جامعات العالم في مختلف المجالات ، وهم هنا في الداخل إذا ما وجدوا فرص فعلية أثبتو جدارتهم .
البنية التحتية المادية التي نملكها من أفضل البنى التحتية في العالم ويمكن التأسيس عليها ، خصوصا تلك المتعلقة بالجانب العلمي في التعليم العام والعالي على حد سواء . فالتعليم يمتلك مباني من أفضل وأحدث المباني في العالم . والأهم من ذلك أن البيئة التعليمية متعطشة للتطوير والتغيير والتحسين ، وتنتظر القيادة التعليمية المُحفزة للإبداع .
أخيرا وجود قيادة شابة مدركة لخطورة المرحلة ولاحتياجات المستقبل ولديها الطموح والمعرفة والقدرة على التغيير ، وتلك القيادة تمثل نموذجا ملهما للشباب السعودي ، بل إن الشباب يُعلق على تلك القيادة الشابة الطموحة آمالا كبيرة في التغيير نحو الأفضل .
لكن تلك المزايا لا تكفي لنجاح الغيير والتطوير والإستثمار في الاقتصاد المعرفي ما لم نتنبه لبعض الأمور الجوهرية ونعمل على تغييرها وتطويرها وحل المشاكل التي قد تعوق ذلك .
أولا الكل يعلم أن تعليمنا لازال تعليما تلقينيا ، بل إن رأس هرم التعليم ذكر ذلك في مقالته الشهيرة ، ولم ننتقل بعد للتعليم البحثي المثير للتساؤلات المحفزة للمعرفة ، وكل محاولاتنا السابقة فشلت فشلا ذريعا ، لأنها ركزت على الشكليات ولم تستطع الوصول لعمق المشكلة وحلها ، لإفتقارها للقرار الشجاع الذي يضع مصلحة الوطن فوق كل مصلحة .
كما فشل التعليم في إستثمار الموهوبين الذي أُنشأ من أجلهم مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهوبين ، وأُنفق عليهم ملايين الريالات ، وأقصى النتائج التي حققتها تلك الملايين هي فوز فتاة أو شاب سعودي في مسابقة هنا أو هناك ثم ينتهي الموضوع عند إستقبال في المطار وتصريح من مسؤول وبعض الصور والأخبار في الصحف . أما نتائج مادية ملموسة في الواقع للأولئك الموهوبون فلا شيء يذكر ، وأكثر من ذلك ، السعوديون أكثر العرب تسجيلا لبراءة الإختراع ، لكن لا نرى تلك المخترعات في الأسواق ، فقط نقرأ أخبارها في الصحف ، نسمع عن مخترعين ولا نعرف لهم منتجا واحدا . ففي ظل شح الحواضن الحقيقية للمبدعين القادرة على تحويل أفكارهم لمنتجات تدر عليهم دخلا تساعدتهم على إنتاج مزيد من الأفكار وتحفز غيرهم على السير في طريق الإبداع ، فإن مصير كل المواهب التي نسمع عنها الموت أو الهرب.
والدليل أن معظم المبدعين السعوديين في الخارج لا يعودون للوطن لعلمهم أنه غير قادر على تهـيئة البيئة المناسبه لهم لإستثمار إبداعهم بما ينفعهم وينفع الوطن ، بل لقد قال بعضهم أنه لم يجد التقدير لموهبته وقدراته ، لذلك من جرب منهم وعاد لأرض الوطن لم يحتمل البون الشاسع بين ما لقيه من تقدير وتحفيز مادي ومعنوي وإمكانيات في دولة إبتعاثه وبين ما وجده في الوطن من تجاهل وعدم تقدير وإستحالة تطبيق ما يفكر فيه ، فكان الهرب هو الوسيلة الأسلم على الأقل لينقذ نفسه إن عجز عن إنقاذ الوطن . حتى من إستطاع من الشباب أن يكافح ويتحمل هو تكاليف إخراج أفكاره لأرض الواقع فإنه يكون مضطرا إلى السفر للخارج والصين تحديدا تنفيذ مشروعة لصعوبة تنفيذ هنا ، لضعف الإمكانيات أولا وللتكاليف العالية جدا ثانيا .
أخيرا طامة الطوام تلك هي الأنظمة العتيقة التي يستحيل معها أن يحدث تغيير أو تطوير ، فكل خطوة يلزمها صندوق من الأوراق موسومة بعشرات التواقيع والأختام ، وربما هان الأمر لو أن بعض المسؤولين لديهم المعرفة والمرونة والشجاعة لتفهم حالات الإبداع وإفساح المجال لها للنجاح والتميز ، ويرون في أولئك المبدعين متهورون يجب إيقافهم حتى لا يؤذوا أنفسهم وويؤذوا غيرهم ، والجيد من أولئك المسؤولين من يتكرم على المبدع بالتصوير معه في الملتقيات والمعارض وينتهي دوره عند خروجه من موقع الإحتفال .
نحن أمام مرحلة إنتقالية حاسمة يجب أن تكون القرارات الشجاعة أهم عناونيها .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال