الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من أطلع على الأهداف الاستيراتيجية المختلفة التي انطوى عليها برنامج التحول الوطني وخاصة تلك المتعلقة بالوزارات المختصة بالمال والتجارة، سيجد بشكل واضح تكرار هدف استيراتيجي هام وهو زيادة حجم الشفافية و الحوكمة. بلا شك أن أبرز معول تحتاج الوزارات المختلفة العمل به لبناء تلك الشفافية المطلوبة هو الانظمة المحاسبية الفعالة القادرة على اصدار المعلومات والتقارير الشفافة والتي يمكن الاعتماد عليها لعمل مختلف التحليلات الاقتصادية الوطنية واتخاذ مختلف القرارات المهمة. فالعمليات المالية المختلفة والتي لها الأثر الاقتصادي داحل مختلف قطاعات المجتمع يتم تسجيلها ومعالجتها والتقرير عنها وفق الانظمة المحاسبية المستخدمة في تلك القطاعات.
فوزارة التجارة والصناعة التي تهدف الى رفع جاذبية السوق المحلي لاستقطاب رؤوس الأموال الاجنبية للاستثمار، و تعزيز ثقة المستهلك و بناء تجارة عادلة تحتاج الى تفعيل وحماية النظم المحاسبية داخل المنشآت المختلفة. فأي مشاكل محاسبية تحدث هنا او هناك سيكون لها رد الصدى على الاهداف الاستيراتيجة الاخرى. فما حدث في شركة المعجل يجب ان يتم التعامل معه بافصاح كامل وشفافية عالية تتضح من خلالها معالم المسئولية المناطة على جميع الاطراف حتى لا يترك مجال للتخرصات والضبابية التي تقود الى مزيد من المخاطر يحجم معها المستثمر الاجنبي و تهتز معها اساسات التجارة العادلة. تطبيق المعايير المحاسبية الدولية والانتقال لها بشكل مرن وواعي أمر هام ومنشود مع ضرورة عدم اشعار المتلقي الغير محاسبي بان هذا التحول الى مجموعة من المعايير المحاسبية يعني تحول جذري وكأن المعايير المحاسبية في مجملها مختلفة حول العالم. فالمفاهيم الاساسية التي تنطلق منها المعايير المحاسبية متفقة الى حد كبير حول العالم والاختلاف يبقى في جزئيات هامة ومؤثرة تتفاوت بها الدول حسب امكاناتها وقدراتها الاقتصادية وعمقها المهني والاقتصادي ايضا. لذا يفترض ان تطبيق المعايير المحاسبية الدولية (IFRS) سوف يعزز من مقدار الشفافية والافصاح حيث ان ذلك يعد دائما ابرز الاهداف التي تسعى لتحقيقها الأنظمة المحاسبية المختلفة.
وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط تهدفان أيضا الى تعزيز مقدار الشفافية في الاجراءات والتقارير المختلفة التي تصدر او تعمل من خلالها هاتين الوزارتين بالاضافة الى غيرها من الوزارات المتصلة باعمالها آخذة في الاعتبار ان الحوكمة الجيدة هي من أهم السبل المعززة للشفافية المقصودة. فوزارة المالية تبنت في وقت سابق نظام احصاءات مالية الحكومة 2001 والذي يعنى بالتحديد السليم لبنود الميزانية و بالتالي تعزيز مقدار الشفافية في البيانات الظاهرة في الميزانية الحكومية و في التقارير الاخرى الصادرة ضمن الانظمة المالية الحكومية مما يساعد متخذي القرارات في المستويات الادارية المختلفة في اتخاذ القرارات السليمة التي تعزز من فرص الانفاق السليم. كما ان هذا النظام يسلط الضوء على أهمية البنود الخاصة بالاصول والخصوم ومن ثم المساعدة في العمل على حماية المال العام. وبما اننا نتحدث عن برنامج التحول فوزارة الاقتصاد والتخطيط تعتمد بشكل كبير على وجود وحساب المؤشرات والاحصاءات التي تسهل من عملية التخطيط للاقتصاد الوطني، والانظمة المحاسبية سواء في الجهات الحكومية او التجارية ما هي في النهاية الا اداة لانتاج البيانات المالية والغير مالية التي يمكن بعد ذلك جمعها او تفرقتها بالطريقة التي من خلالها يمكن ان تبنى الخطط المستقبلية والمؤشرات ذات الدلالة و القرارات المفصلية.
ومن هنا يظهر جلياَ أهمية الانظمة المحاسبية ودورها الجوهري في الوصول الى الاهداف المنشودة من وراء برنامج التحول الوطني. فالتطوير للانظمة المحاسبية يشمل بشكل اساس تطوير الاجراءات و السياسات داخل القطاعات المختلفة، و العمل على تطوير انظمة محاسبية الكترونية قادرة على انتاج التقارير المطلوبة وتحقيق اعلى مستويات الرقابة المقصودة، وتطوير الكوادر المهنية البشرية القادرة على التعامل مع تلك الانظمة وتطويرها لتكون فعالة في تحقيق الشفافية العالية المرغوبة. الحديث عن الشفافية هام ومقصود لان الشفافية تعتبر العدو الأول للفساد، فمتى ازدادت الشفافية وقل الغموض كلما قلت فرص الفساد والفاسدين وازدادت فرص الرقابة والتدقيق. فموظفي ديوان المراقبة العامة الذين استطاعوا المساهمة في حفظ ما يزيد على 2 مليار ريال سعودي من الهدر والضياع يتوقع ان تكون مهمتهم أسهل مع ارتفاع مؤشر الشفافية داخل القطاعات المحتلفة، فالرقابة تكون سهلة وعميقة متى كانت الشفافية والافصاح الشامل هي الأرضية للنظام المالي.
دور مهنة المحاسبة والمراجعة في المملكة العربية السعودية يزداد جوهرية يوم بعد يوم في ظل السعي الحثيث للازدهار والتنوع الاقتصادي والرغبة في تعزيز الفرص الاستثمارية على جميع الأصعدة، لذا يكون على عاتق الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين (SOCPA) والجمعية السعودية للمراجعين الداخليين (IIA) عبء العمل على وضع رؤية متوافقة مع برنامج التحول تعنى بشكل أساس على أهمية استمرار تطوير النظم المحاسبية والبناء المحاسبي الفكري والمهني مما يعزز نهاية أسس التجارة العادلة، ويساهم في تحقيق أعلى مستويات الشفافية في مختلف القطاعات عامها وخاصها. وان كنت اعتقد ان الاجراءات المحاسبية في القطاع العام هي الأكثر عوزا للتطوير والتهيئة ولعل مبادرة الهيئة الاخيرة في اعداد اختبار معياري مهني مختص للمحاسبة الحكومية يعقبها مستقبلا دور مشترك بين الوزارة المالية والهيئة في محاولة تعزيز الطرق والاجراءات المحاسبية الحكومية بالشكل الذي يكفل فعاليتها وكفاءتها. ضرورة تكثيف التدريب والتطوير للكوادر المهنية في القطاعين العام والخاص من خلال برامج تدريبية متميزة تتجاوز مفهوم التدريب الروتيني الشكلي إلى ما هو كفيل بتحقيق النقلة في القدرات الفكرية والفنية للمتدربين والممارسين. فمثلا يقول أحد المهنيين الذي قضى العديد من السنوات في مجال مهنة المحاسبة صرت أحضر الى الدورات التدريبية المتطلبة فقط تسجيلا للحضور ولو استطعت ان احصل على النقاط دون حاجة الى الحضور لفعلت فما يقدم في الدورات مسلمات و معلومات بدائية و مملة للغاية لا تحقق ابدا الهدف من وجود التعليم المهني المستمر ، فيفترض أن تقدم هذه الدورات والندوات التدريبية تحديثات هامة لخلفية المحاسب الممارس مما يعزز من قدراته المهنية والفكرية التي تساعده في مواجهة الظروف والأحداث الاقتصادية المتجددة.
خاتمة : يقول أحد مدراء الاستثمار ” المحاسبة (الانظمة المحاسبية) لا تجعل الارباح السنوية او المركز المالي للمنشأة متأرجحا او متقلبا وانما هي فقط تزيد من حجم الافصاح والشفافية التي يظهر من خلالها واقع تأرجح وتقلب الارباح”
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال