الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
كتبت وسأظل أكتب عن المشاريع الصغيرة ولن أمل من الكتابة عنها مهما حقّرها بعض الكتاب الإقتصاديين لعلمي أنها باب رزق كبير يغفل عنه كثير من العاطلين عن العمل أو من دخولهم لا تكفي حاجتهم ، كما أن تلك المشاريع تُعد الطريق الطبيعي لأكبر الشركات وأضخم الثروات ، وممارسة تلك المهن ليست بحاجة لتقديم طلبات أو توسلات كلما تحتاجه عزيمة وهمة .
واليوم أتحدث عن حكاية شاي الجمر الذي بدأ بفكرة هذا المشروع شباب منطقة عسير في صيف أحدى السنوات بمدينة أبها ، ثم أخذت هذه الفكرة البسيطة المربحة تنتشر ببطـء في بعض المدن السياحية في المملكة في فصل الصيف فقط ، لكن في السنوات الأخيرة أصبح هذا المشروع منتشرا في كل مدن المملكة في جميع الفصول ، بسبب الطلب الكبير على شاي الجمر لذيذ الطعم .
في إحدى المدن الصغيرة كان لأحد الشباب مشروعه الخاص عموده الفقري شاي الجمر وبعض السلع التي تناسب الشاي كالماء والمكسرات والبسكويتات ، وكان لذلك الشاب موقعا مميزا جدا على مخرج المدينة ، وكان يلقى شاى ذلك الشاب رواجا كبيرا خصوصا في الإجازات ، لكن قامت إحدى أكبر الشركات العاملة في صناعة القهوة السريعة بإستئجار ذلك الموقع من البلدية ما أضطر الشاب لترك المكان لموقع أخر ، ولأن الشاي بالجمر لذلك الشاب إكتسب سمعة كبيرة فإن عملاؤه تبعوه لموقعه البعيد والأقل تميزا من الأول، بل إن عملاؤه قد يفوقون عملاء تلك الشركة في معظم أوقات النهار والليل ، وذلك مؤشر واضح على ربحية مشروع شاي الجمر .
أحرص على الوقوف عند بسطات شاي الجمر في معظم المدن التي أزورها مع العلم أني لست من هواة الشاي ، وذلك لمعرفة القائمين على تلك البسطات ، وهل لازالت مهنة شاي الجمر بيد من فطرها من الشباب السعودي أم أنها كغيرها من المهن إنتقلت للعمالة الوافدة .
الحقيقة أن معظم بسطات شاي الجمر مازالت بيد الشباب السعودي على الأقل تلك التي أمر عليها . لكن بدأ نوعان من الإنحراف يحدث على هذه المهنة ذات العوائد الجيدة قليلة التكاليف ، وأقصى ما تتطلبه بعض التدريب البسيط . الإنحراف الأول مزاحمة غير السعوديين للشباب السعودي من العمالة التي تجد الوقت الكافي بعد إنتهاء عملها كون شاي الجمر أكثر ما يُطلب بعد العصر في المواقع السياحية في أي مدينة ، بل إن بعض العمالة إحترفت تلك المهنة وأصبحت مصدر رزقها الوحيـد ، وأعتقد أن كثيرا منهم ليسو من مخالفي نظام العمل والعمال فقط بل من المتخلفين ومجهولي الهوية الذين دخولوا الوطن بطرق غير قانونية ووجود في تلك المهنة البسطية مصدرا جيدا للرزق في غفلة من الجهات المسؤولة .
لكن ذلك الإنحراف برأيي ليس الأخطر كونه يعد مخالفة قانونية لقانون العمل والعمال في المملكة بكل المقاييس ، وبلاغ جاد من مواطن مخلص يلغي تلك المخالفة . علما بأن الشباب السعودي الذين لم يحصلوا على تصاريح للعمل في تلك المهنة يعانون أكثر من العمالة الوافدة من مطاردة البلديات لهم ومصادرة بسطاتهم ، وقد سمعت هذا الكلام من أكثر من واحد من الشباب .
الأنحراف الأخطر والمؤلم للقلب فعلا أن بعض الشباب السعودي ممن بدأ تلك المهنة بنفسه وبعد أن عانى معاناة كبيرة حتى استخرج تصاريح للعمل وبعد أن أكسب موقعه سمعة رائعة وكون له زبائنه ، بعد كل ذلك سلّم محله للعمالة لتديرها وتعطيه (راتبا) مقابل اسمه ، أى أنه تحول من صاحب عمل أو مشروع بكل ما للكلمة من معنى إلى متستر بكل ما للكلمة من معنى ، وبطريقة غريبة فعلا .
لستُ أدري هل التستر مرض معدي يصيب السعوديين وحدهم ، أم أنه مرض وراثي جيني في السعوديين فقط ، أم ما هي المشكلة فينا؟؟ لو أن هذا المشروع صعب أو مرهق أو دخله منخفض لهان الأمر ، لكنه سهل جدا من حيث التكاليف والعمل وحتى أوقات العمل ، ودخوله مجزية جدا وتفوق دخول كثير من المهن في القطاع الحكومي والخاص ، فما الذي يجعل بعض الشباب الذين إستطاعوا تحويل مشاريعهم من بسطات مطاردة من البلدية إلى مواقع قائمة لها زبائنها وسمعتها الممتازة ثم يسلمونها للعمالة ؟؟
أخيرا أعتقد أن البلديات مقصرة جدا في تنظيم هذه المهنة وجعلها أكثر جمالا وجاذبية للعامل فيها وللمستهلك بدل مطاردة الشباب الراغب في طلب الرزق الحلال . وما لم يتم تنظيمها الأن وهي في بداياتها فقد نرى في المستقبل القريب لجان من عدة وزارات تعمل على سعودة (شاي الجمر) .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال