الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التضخم (المعبر عنه بالإنجليزية بكلمة inflation) يعبر عن عملية الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، أو بعبارة مكافئة: الانخفاض المستمر في قيمة النقود. ولذا لا يسمى ارتفاع الأسعار تضخما إلا إذا ارتفع المستوى العام للأسعار باستمرار، أما إذا ارتفعت أسعار سلع (كلمة سلع في هذا المقال تشمل أيضا الخدمات) بعينها دون أن يرتفع المستوى العام للأسعار، أو ارتفعت، لكن عرف مسبقا أن الوضع مؤقت، فلا يسمى تضخما. ومن التضخم يشتق معدل التضخم، وهو مؤشر يبنى وفق معايير مهنية إحصائية اقتصادية ليدل على التغير في المستوى العام للأسعار لكل الأنشطة أو لنشاط أو أنشطة بعينها خلال فترة زمنية محددة، كالشهر والسنة.
وهنا مثال للتوضيح:
بيد مجتمع من المجتمعات فلوس للتداول مثلا ألف ريال وكمية سلع عددها ألف وسعر الواحدة ريال واحد. لنقل أن كمية النقود زادت إلى 1500، بينما بقيت كمية السلع على حالها تقريبا، وهذا وضع يحدث كثيرا على المدى القصير إلى المتوسط. أصبح بيد ذلك المجتمع فلوسا أكثر للصرف، مقابل موارد وكمية سلع جامدة تقريبا. النتيجة ارتفاع الأسعار إذا قرر أفراد ذلك المجتمع صرف النقود الزائدة.
المثال السابق يوضح أن التضخم يرتبط ارتباطا مباشرا بكمية النقود الموجودة بيد الناس، وسرعة دورانها، أي تحريكها للصرف. أي أن التضخم لا يمكن أن يحدث دون زيادة كمية النقود أكثر من السلع. ويعبر علماء اقتصاد عن ذلك بأن التضخم صناعة فلوس. وهنا مزيد توضيح.
هناك علاقة ثابتة بين أربعة عناصر: السلع المتاحة في السوق Y، والمستوى العام للأسعار P، وكمية النقود المتاحة في الاقتصاد M ، وسرعة دوران أو تداول الأيدي للنقود V. كمية النقود الموجودة في اقتصاد ما مضروبة في سرعة دوران النقود = الأسعار مضروبة في كمية السلع. والمعادلة التي تربط بين هذه المتغيرات: PY = MV
قلة من الناس تقول كلاما يدل على أنها تفهم التضخم جيدا. لنأخذ العبارات التالية التي سمعتها وقرأتها كثيرا:
1. التضخم أو ارتفاع الأسعار يعني انخفاض الدخل الحقيقي.
2. ارتفاع الإيجارات من أهم أسباب التضخم.
3. زيادة السكان من أسباب التضخم.
4. الغلاء عالمي، ولذا لا تأثير لزيادة الأجور والرواتب محليا في التضخم.
5. جشع التجار وراء غلاء الأسعار أو التضخم.
العبارة الأولى تقول إن هناك من يفهم التضخم على أنه تدني مستوى الدخول الحقيقية أو تدني القدرة الشرائية للناس، وهذا فهم غير صحيح أو ناقص. فقد يحدث الاثنان: التضخم وارتفاع الدخل الحقيقي، وقد يحدث أحدهما فقط، وقد يتحرك أحدهما بمعدل أعلى من الآخر، والنتيجة أن الدخول الحقيقية تزيد أو تقل.
العبارة الثانية تعلل الشيء بجزء منه. وكأنها تقول غلاء الإيجارات من أسباب الغلاء. ارتفاع الإيجارات (أو أسعار المواد الغذائية، أو….إلخ) هو جزء من مكونات التضخم، ولكنه ليس سببا في نشوء أصل التضخم، إذا أردنا الدقة في التعبير. قد تكون سببا في نشوء جزء منه عن طريق العدوى.
العبارة الثالثة غير دقيقة لأن تزايد السكان لا يعني بالضرورة حصول غلاء عام، وإلا لكانت أكثر الدول ازدحاما هي أكثرها غلاء. قد يزيد عدد السكان دون أن ترتفع الدخول، تماما مثل أن يزيد عدد أفراد الأسرة دون أن يزيد (أو ينقص) دخلها، والنتيجة أن دخل الفرد انخفض، أما المستوى العام للأسعار فيبقى على حاله تقريبا.
قد تتسبب زيادة السكان دون زيادة الدخل في زيادة أسعار سلع وخفض أسعار سلع أخرى. مثلا، إذا بقي الدخل على حاله (وهذا كثير الوقوع على المدى القصير إلى المتوسط)، فالغالب أن الطلب على سلع بعينها كالمساكن يزيد بسبب زيادة السكان، ومن ثم تزيد الإيجارات، وتقل أسعار سلع أخرى قل الطلب عليها. والنتيجة أن المستوى العام للأسعار لم يتغير تقريبا.
العبارة الرابعة غير دقيقة أو مضللة لأنها تحصر التضخم في السلع المستوردة. وحقيقة كانت موضع هجوم كثيرين على كاتب هذا المقال عندما كتبت أكثر من مقال قبل سنوات منتقدا المطالبات بزيادة رواتب موظفي الدولة بنسبة عالية، لأنها ستنتج معدل تضخم مرتفعا، والمستفيد الأكبر ليس موظفي الحكومة بل من يبيع عليهم. كان بالإمكان استخدام هذه الأموال بطريقة أفضل، والحديث ذو شجون.
القول بأنه لا تأثير لزيادة الأجور والرواتب في التضخم غير صحيح. هي مؤثر والخلاف في نسبة التأثير. لو قلنا إن الدخل زاد مثلا بنسبة 40 في المائة، فالعادة أن معظم هذا الدخل سيتحول إلى طلب أي سينفق على سلع وخدمات مستوردة وغير مستوردة. العادة أن تكون زيادة المعروض بنسبة تقل كثيرا عن زيادة الطلب لأن زيادة المعروض تتطلب وقتا وجهدا وموارد بشرية وغير بشرية. النتيجة أن ارتفاع الأسعار أمر حتمي، حتى لو لم ترتفع أسعار المستوردات في الدول المصدرة. وإلا فإنه سيتبادر إلى الذهن سؤال منطقي: أين ذهبت الزيادة في الإنفاق؟ طبعا ليس من الضروري أن ترتفع الأسعار بنسبة ارتفاع الدخل نفسها. ولو كان الأمر كذلك لما كانت هناك أي فائدة من تزايد مستوى الأجور في الدول، ولتساوت الدول في مستويات المعيشة.
العبارة الخامسة تدل على خلط كثير من الناس بين التضخم والجشع. الممارسات الجشعية موجودة باستمرار عبر التاريخ. قد ترتفع الأسعار في إطار جشع، وقد ترتفع بسبب اختلال بين عرض وطلب سلعة أو مجموعة من السلع، دون وجود تكتلات أو تعمد سلوكيات للإضرار بقوى السوق، ولعل هذا يفسر تحرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من التسعير عندما غلت الأسعار في عهده.
أخيرا أشير إلى أن معدلات التضخم كانت أعلى كثيرا من معدلات ارتفاع الأجور (الرواتب) خلال السنوات العشر الماضية، ليس في بلادنا فحسب، بل على المستوى العالمي.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال