3666 144 055
[email protected]
fahadalthenyan@
عضو معتمد لدى معهد المحاسبين الإداريين الأمريكي
يبدو أنَّ العلاقة بين سعر النفط وأسعار المعادن تأخذ منحى عكسي مؤخراً يمكن مشاهدته خلال الأشهر الستة الماضية إذا نظرنا لأسعار النفط مقارنة بأسعار الذهب على سبيل المثال. والتفسير المحتمل هو أنَّ النفط أو سعره لم يعد يعمل أو يُنظر إليه كمؤشر للنمو أو التعافي الاقتصادي كما في السابق؛ فربما أنَّ قواعد اللعبة قد تغيرت.
المستثمرون في الأجل الطويل والمضاربون كذلك لا يهمهم إذا ما كانت نظرة المحللين للنفط أنه مؤشر ما أم لا؛ فهدفه الواضح والذي نعرفه جميعنا هو رفع مداخيلهم، تنمية أصولهم والحفاظ على قيمتها عند الإحساس بخطر الإنخفاض. ومع التوسع في إنتاج المعادن المختلفة كنتيجة للتطور التقني الذي جعل استخراجها وتحويلها لمنتجات جاهزة للاستهلاك النهائي أقل كلفة مدعوماً بالنمو السكاني ارتفعت أسعارها تباعاً. في نفس الوقت؛ ساهم التطور التقني في تسهيل عمليات البيع والشراء لتداول هذه المعادن بشكل اكبر وأسرع، وهذا ما ينطبق أيضاً على النفط وأنواع الوقود الاخرى ومختلف السلع والخدمات.
وعليه؛ فإن هذه التطورات التقنية وتعدد الخيارات أو البدائل الاستثمارية ما بين النفط والمعادن والسلع المختلفة منحت المستثمر أو المضارب مجالاً اكبر للتنقل في ملعب المباراة أو اللعب – كما يحلو لي الوصف – حيث سيتمكن من القفز بين النفط للمعادن الأخرى والعكس كذلك للحفاظ على قيمة الأصول التي يمتلكها حسب اتجاهات السوق وتوقعاته التي يبنيها. وكثرة التنقلات هذه سببت ضغطاً أكبر على الأسعار ما جعلها تتحرك في مجال ضيق ومنخفض.
المعادن قصة أخرى في ذاتها إذ ساهم النمو الاقتصادي تزايد الطلب على المعادن في قطاعات مختلفة سواء البناء أو صناعة الطائرات والسفن والسيارات وغيرها من وسائل النقل أو الأسلحة مدعومةً بالتقلبات والأحداث السياسية التي أخذت حيزاً أكبر حول العالم. كل هذه العوامل شجعت الاستثمار والتوسع في إنتاج بعض المعادن كالألومنيوم ووصلت معها أسعاره إلى مستويات قياسية خلال العقد الماضي ليست إلا حديثاً من الماضي اليوم بفضل فوائض الإنتاج أو العرض التي تغرق السوق اليوم. فالبرغم من تراجع الأسعار؛ فإنَّ اللافت في قطاع التعدين هو أن هناك بصيص من الأمل مع أخبار تصدر من هنا وهناك عن مشاريع جديدة لإنتاج المزيد ما يمكن تفسيره بأنَّه ما زالت لدى المستثمر الثقة في تجاوز القطاع لعثرته.
تطرقت للبدائل المتاحة للمستثمرين وعن اللاعبين في السوق، وعندها يجب أن يصل بنا الطريق للصين لأنها منذ العقد الماضي لعبت ولا زالت تلعب دور المحرك أو القائد للنمو في قطاعات عدة بنسبة تصل إلى 50% في بعض القطاعات أو الأسواق. بلغت معدلات نمو الاقتصاد الصيني مستويات قياسية قاربت ال 15% في السنوات الأخيرة ولكنها لم تعد كذلك اليوم. لك أن تتخيل أن 50% من الطلب على سلعة أو خام ما يأتي من الصين ولك أن تتخيل ماذا سيحدث لأسعاره عالمياً إن تراجع الطلب الصيني عليه! وليس مجرد التراجع بل وقيام الصين بالاستمرار في الإنتاج وتصدير إنتاجها الفائض عن حاجاتها للجانب الآخر من العالم وبسهولة أكبر شكراً لأنظمة التجارة الحرة. هذه الأنظمة التي قد أراد بها الغرب اختراق الأسواق الأخرى، ولكن الصين أتتهم من حيث لا يعلمون! لنفهم ما يحدث وسيحدث على مستوى الاقتصاد العالمي، علينا فهم طريقة التفكير الصينية وإيجاد نماذج لبرمجتها وتوقع تحركات الصين هذه الدولة الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية. في بعض الصناعات، تستورد الصين المواد الخام فهي لا تملك كل شئ كما الآخرون، بالرغم من إنتاجها الفائض بتكاليف مرتفعة تجعلها تدير صناعات خاسرة اقتصادياً فهي لا تتوقف عن المضي قدماً في الإنتاج والإرسال للخارج؛ ولا أحد يمكنه إيقافها فهي law abiding ملتزمة وتعمل وفق قوانين التجارة العالمية التي أرادها الغرب ومن الصعب على دول كالولايات المتحدة فرض العقوبات عليها لأنها تستثمر وتملك الكثير من السندات الحكومية التي أصدرتها الخزانة الأمريكية والأسهم الأمريكية التي تستطيع عرضها للبيع متى شاءت وهز عرش الاقتصاد الأمريكي الذي يبحث عن ذرة نمو واستقرار. لاختصار هذه الجزئية حول الصين، هناك احتمالان أولهما أن الصين لا تعمل دائماً بناءاً على نموذج الربح أو الخسارة الاقتصادي حيث أن هدفها هو توظيف وإشباع شعبها الملياري؛ وثانيهما أنها تقوم باستثمار جزء من إنتاجها للمعادن الخام على سبيل المثال في إنتاج السلع والمنتجات الأكثر دقة ذات الربحية وتصديرها للعالم. وعموماً فمن خلال متابعة بعض الإحصاءات الصناعية والإنتاجية التي تصديرها الصين فهي لا تبدو منطقية، وقد يكون هذا على سبيل العمد.
مع تعدد البدائل وسهولة التداول ومستويات الإنتاج القياسية للنفط والمعادن والسلع الأخرى مدعومةً بالتطور التقني يبدو أننا وصلنا لمستويات توازن جديدة في الأسواق.. مستويات منخفضة تجعل المنظمات الاقتصادية العالمية لا تتوقع تجاوز النفط لل 60$ للبرميل خلال السنوات الخمس القادمة إن لم تكن لعشر أخرى. والمقلق أننا في السعودية كاقتصاد مستهلك نحتاج للمسارعة في التحول حفاظاً على توازننا الاقتصادي ليس لكون النفط مورد ناضب فقط؛ بل ولكن لأنه مصدر دخل بالنسبة لنا وليس وقوداً لصناعات تنتج محلياً وتصدر للعالم الخارجي؛ ولأن انخفاض سعره ليس إلا في مصلحة من يستورده لينتج به سلعاً يعيد بيعها لنا بتكلفة أعلى مما لو وطّنا صناعتها وأنتجناها بأيدينا.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734