الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قرأت كتاب “نهاية اللعبة ـــ النقود والمصارف ومستقبل الاقتصاد العالمي” اللعبة هنا تعريف القاموس لكلمة alchemy التي تعني القوة أو العملية في محاولة تحويل أو تغيير شيء بطريقة غامضة أو مدهشة من شيء لا قيمة له إلى شيء أعلى قيمة. مؤلف الكتاب ميرفن كنج حاكم البنك المركزي الإنجليزي من 2003 إلى 2013. الكاتب عايش الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008/9 وهذا الكتاب مراجعة عن الأزمة وأسبابها وتلمس حلول. لعل أفضل مدخل للكتاب ما ذكر المؤلف حول محادثة مع أحد كبار مسؤولي البنك المركزي الصيني حين سأله عن رأيه في تجربة إدارة الأزمة آخذا في الاعتبار ما ذكره “شون لاي” رئيس وزراء الصين حين كان رأيه أنه من المبكر الحكم على تجربة الثورة الفرنسية بعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن”، إذ كان رأي الصينيين أنهم تعلموا من الغرب في دور المنافسة واقتصاد السوق لدعم الصناعة لرفع مستوى المعيشة، ولكن يبدو أن الغرب لم يصل إلى الآن مستوى الكفاءة المطلوبة في إدارة النقود والمصارف. هذا النقاش يكشف انشغال الكاتب ومحتوى الكتاب في رصد تجربة مصرفي مرموق وأستاذ اقتصاد للتجربة العالمية والربط بين الداخلي والدولي من ناحية والاقتصادي والمالي من ناحية أخرى. يتخللها مزيج ذكي بين النظرية والتجربة والتاريخ. يعطي الكاتب أهمية قصوى لما يسميه الحالة الاستثنائية Radical Uncertainty ودورها في استعداد وقدرة صناع القرار على التعامل مع ما لا يمكن التنبؤ به.
لن نراجع 400 صفحة في عمود ولكن لابد من ذكر عدة نقاط جوهرية منها أن الإطار الزمني يبدأ مما يسميه “الاستقرار الكبير” الذي بدأ مع سقوط جدار برلين حيث بدأت فترة مريحة من النمو في الدول الغربية ولكن صاحبتها فترة بناء عدم توازنات بين الصرف والتوفير وبين الاستثمارات والقروض بين الدول وحتى داخل الدولة الواحدة. عدم التوازنات أدى في الآخر إلى انهيار النظام المالي والمصرفي، ولكن تم إنقاذ الاقتصاد من انهيار مشابه لما حدث في أزمة 1929. فمثلا كانت الدول الناشئة عالية التوفير بينما الدول المتقدمة عالية الصرف وقليلة التوفير ولكن هذا التوفير كان كبيرا “ما دعا برنانكي إلى وصف الحالة بوفرة التوفير”، بينما فرص الاستثمار في الدول المتقدمة لم تكن واعدة ما أسهم في نشوء استثمارات غير مجدية خاصة في العقارات والمنازل. منها أيضا انخفاض أسعار الفائدة تدريجيا إلى أن وصلت إلى حالة سلبية حقيقية “أسعار الفائدة المعلنة أقل من نسبة التضخم”، هذه أدت إلى خلل في العلاقة بين الاستثمارات والتوفير من ناحية والطلب وإدارته من ناحية أخرى. أصبحت إدارة الطلب رهينة حلول قصيرة الأجل، بينما الإشكالية هيكلية وطويلة الأجل ولم ينفع معها التيسير الكمي، بل إن زيادة في الطلب تتطلب كمية من النقود أكثر وأكثر ما يعمق العلاقة غير المتوازنة بين التوفير والاستثمار وبالتالي يؤثر في مستوى الطلب العام. هذه الحالة أوصلت الاقتصاد إلى حالة ضعيفة من النمو بعد الأزمة، بينما أسعار الأصول استفادت من الإدارة النقدية ما فاقم الفجوة في توزيع الدخل والثروة. كذلك أعطى الكتاب اهتماما بالغا لدور المصارف والتعامل مع النقود حيث ركز على المخاطر الهيكلية في القطاع المصرفي المتمثلة في قبول ودائع قصيرة الأجل ومن ثم إقراض واستثمارات طويلة الجدل ما يوجد صعوبة في التمييز بين تحديات توافر السيولة والتعثر المالي في المصارف أثناء الأزمات المالية.
أعطى الكتاب نبذة جيدة عن تاريخ الأزمات المالية وتطور المصارف المركزية والتحديات التي قابلتها في تقدير الاختلافات بين أزمة السيولة وأزمة التعثر المالي من ناحية وتزايد الضغوط عليها للتدخل في نواح اقتصادية في العادة ليست في دوائر مسؤولياتها مثل المفاضلة بين القطاعات الاقتصادية أو توزيع الثروة. تخلل الكتاب تاريخ النقود والصناعة المصرفية وتطور البنوك المركزية.
ويقدم الكتاب نصائح لرؤساء البنوك المركزية والحكومات ويطالب بمرونة عالية في فهم التاريخ ولو أن كل دولة تتعلم من تجاربها أكثر من تجارب الآخرين. ولكن الكتاب أيضا ينفع لغير المختص إذ حاول تفادي الرياضيات والمصطلحات المتخصصة، ولكن بعض الأجزاء لن تكون سهلة لمن ليس لديه أي قراءات سابقة عن الاقتصاد أو الصناعة المصرفية. لا يتعامل الكتاب مع دول العالم النامي ولكن هناك من التجارب التاريخية والتنظير الاقتصادي والسياسات الخاطئة والناجحة ما يحمل الكثير من المساحات للتفكير والتعلم والتعبر.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال