الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
باحث أكاديمي في الموارد البشرية ومبادرات توطين الوظائف – لندن
ABDULLAH_0026@
لقد أصبح الاستثمار في العقول هدفاً ومبتغى للدول المتقدمة في المشرق والمغرب حيث تبذل تلك الدول جهودها للبحث عن تلك العقول واستقطابها واستثمارها وتهيئة البيئة المناسبة لها لتبدع وتنطلق في آفاق التميز والرقي والإبداع لتنفع ذاك البلد الذي استقطبها وربما تضر البلد الذي ضيعها وأهدرها. في بلادنا العربية وللأسف لازال مفهوم الاستثمار لايتعدى التراب أو الحيوان أو المال والأصول في أفضل الحالات. في الحقيقة، موضوع الإستثمار البشري كبير ومتشعب ومقالي هنا ليس حول الإستثمار على مستوى الدول ولكن على المستوى المنظمي والتجاري.
من المعلوم والمثبّت أنه لتطوير أي منظمة يجب تغيير ثقافتها وتحسينها لتتقبل التغيير وتندمج معه وتماشية. وبما أن ثقافة غالب منشآتنا المحلية مازالت وللأسف تؤمن وتركز وتفضل الاستثمار في المال والأصول على العقول. فلا نستغرب كون كثير منها غير قادرة على المنافسة محلياً وعالمياً بل والأهم من ذالك أنه كما تشير الإحصائيات أن متوسط عمر تلك المنشئات قصير نسبياً وبعضها يخرج من المنافسة سريعاً لعدم مقدرتهم على مواكبة التطور والتغير التجاري المحلي والعالمي السريع والمستمر.
في حقيقة الأمر ومن المؤسف أنه حتى في عصر العولمة واتصال العالم ببعضه مازال كثير من أصحاب ومسؤولي المنظمات تقليديين وجل تركيزهم وخططهم المستقبلية للتطوير لاتتعدى كونها سياسات عثى عليها الزمن أو تطبيق مايعرف بسياسة القطيع وإغفال مالديهم من العقول. فمحلياً كما نرى أن المنافسة الإبداعية تكاد تكون معدومة وخصوصاً بين الشركات المتوسطة والصغيرة العائلية واللتي تشكل غالب منظمات قطاعنا الخاص.
دون الاطالة في الحديث وعرض تلك السياسات لمنظماتنا المحلية كون توجهها معروف ومألوف لدى الغالب منا. ولكن ما أود ذكره والتركيز عليه في هذا المقال انه يجب أن نعرف انه لايمكن بأي حال من الأحوال الوصول الى مرحلة الإبداع والتطور المستمر والآمن دون الاستعانة الحقيقية بالعقول والمواهب البشرية اللتي وهبها الله لنا لنستفيد منها كونها مخازن الأفكار والابداع. ولكي نخرج تلك الأفكار من عقول البشر، يجب علينا الاستثمار فيهم وتطويرهم وتهيئة البيئة المناسبة لهم وتفضيلهم على الموارد غير البشرية وإعطائهم حرية أكبر في تشكيل وصنع القرارات.
أنا هنا لاأتكلم نظريا أو أكاديمياً فقط ولكن أتكلم من واقع محسوس وملموس من حولنا. قصص الإبداع كثيرة لن أسرد لكم قصص مكررة لشركات ضخمة أثبتت النجاح في هذا النوع من الاستثمار ولكن سوف أذكر لكم بعض الأمثلة الحية والملموسة لبعض المنظمات اللتي نعايشها في يومنا هذا واللتي تحولت في مدة قياسية ووجيزة من لاشئ إلى كيانات ضخمة تنافس أعرق وأضخم المنظمات في قطاعاتها. الشاهد من هذا أن كل تلك المنظمات تشكلت ووصلت للقمة في فترات وجيزة (بإرادة الله ثم) بسبب أفكار بشرية إبداعية وبدون أية أصول او استثمارات تُذكر. وبما أننا نتحدث محلياً ولكي أنصف الطرح هنا سوف أذكر مثالين أحدهما عالمي والآخر محلي.
المثال العالمي: شركة اير بي ان بي (AirBnB) الأمريكية العقارية واللتي بدأت من فكرة وبدون أي استثمار ضخم كما هو المتعارف في الاستثمارات العقارية وخلال سنوات قليلة بدت تتربع على قمة القطاع العقاري في العالم فهي تعتبر الآن من أغلى (إن لم تكن الأغلى) الشركات العقارية (لاتملك أية أصول) من ناحية القيمة السوقية واللتي تجاوزت 30 مليار دولار ومازالت بإزدياد سريع ملحوظ. وفي الواقع أن فكرة الشركة ببساطة هي أنها تعمل فقط كوسيط بين مالك العقار والمستأجر بطريقة تضمن حقوق الطرفين عن طريق منصة الكترونية.
المثال المحلي: موقع حراج السعودي. الموقع بدء من فكرة شخص بسيط أنهى دراسته الجامعية ولَم يجد وظيفة. هذا الشخص كان عنده إيمان بفكرته اللتي كانت ذلك الوقت ربما محط سخرية من البعض كونها هجينة على مجتمعنا ومستحيلة التطبيق في نظر الكثير. قام ذلك الشخص قبل بضعة سنوات بتطبيق فكرة ذكية وإبداعية وذالك بإنشاء موقع إلكتروني كمنصة لحراج السيارات في السعودية والذي يجمع ويربط بين كل بائعين ومشترين السيارات في المملكة. شيئا فشيئا تطور الموقع وكبرت قاعدة مستخدميه وزادت قيمته السوقية حتى وصل الآن على حسب بعض التقديرات اللتي قراءتها الى أكثر من ٥٠ مليون ريال والقيمة بإزدياد.
العالم من حولنا يثبت لنا يوماً بعد يوم أن الإستثمار في العقول يفوق الإستثمار في الأموال والأصول. ولذلك مثل تلك العقول البشرية اللتي حولت أفكار وترجمتها إلى واقع ملموس وكيانات ضخمة وصعدت بها إلى أعلى قمم المنافسة قادرة أيضاً على خلق وتغيير وتطوير مسار تلك المنظمات اللتي يعملون بها إذا دُعِموا وأٌعطوا الفرص اللتي يستحقون. لو أن منظماتنا اتبعت سياسات العالم المتقدم من الإهتمام بالإستثمار في الرأس مال البشري كما تفعل الشركات الكبرى مثل جوجل وفيسبوك وغيرها والحرص على استقطاب العقول وتهيئة البيئة المناسبة لهم للعمل والإبداع لكان لذلك تأثير مباشر وسريع وملحوظ على أداء تلك الكيانات خصوصاً وعلى المجتمع والإقتصاد عموماً.
وفي النهاية كان نبينا عليه الصلاة والسلام يهتم بهذا الجانب من الإستثمار. فكما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يدعو الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين فلما أسلم عمر الفاروق صلى المسلمون عند الكعبة وكان يوماً عظيماً أعز الله به الإسلام وأهله بذاكم العقل الفريد والنفس الأمة وهكذا هي العقول الفذة حينما تستثمر فتوظف توظيفاً ينفع الإسلام والأوطان.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال