الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكاديمي متخصص في المحاسبة
Yasseralnaf@gmail.com
سن الأنظمة واستحداثها احد ابرز العوامل الصانعة للفرص والمخاطر، فالأنظمة الحديثة يراها البعض كخطر كبير يهدد مصالحه في حين ينظر اليها طرف آخر كفرصة عظيمة لجني المنافع الوفيرة. وقررت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين الانتقال الى معايير المحاسبة والمراجعة الدولية (IFRS) ابتداءا من عام 2017م.
وكانت الهيئة قد كونت لجنة مختصة بهذا الشآن تعنى بدراسة وموافقة المعايير المهنية الدولية مع متطلبات المجتمع وظروفه الاقتصادية. وتبني المعايير الدولية لا يعني انتقالا من الجسد المحاسبي وانما هو اختلاف نوعي في بعض الجزئيات في قياس وعرض المعلومات المالية. لن أدخل هنا في نقاش حول ماهية المعايير الدولية وأهميتها واوجه اختلافها مع ما كان مطبقا ولازما قبلها، بل سننظر من زاوية اخرى تعنى بشكل كبير بأهمية هذه المعايير في مختلف الشرائح المستفيدة من القوائم المالية (من مستثمرين ومقرضين وموردين وعملاء وموظفين وجهات حكومية …الخ).
و بلا شك ان المستثمر والمقرض في علاقته مع المنشاة يرغب في حجم مناسب من المعلومات التي تعطيه القدرة على تحليل واقع المنشاة ومدى قدرتها المالية في تحقيق متطلباته الخاصة من الدخول في هذه العلاقة. والمعايير الدولية والتي تبنتها عدد ليس بيسير من الدول المتقدمة حول العالم (ايمانا منها بضرورة الوصول الى لغة مالية متجانسة تتناغم مع حجم التجانس الدولي في مجال التجارة الدولية) تعتبر معايير عميقة وذات طابع ارشادي يعطي المساحة للدول المتبنية لها بموائمتها و تهذيبها بالصورة التي تلائم توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
اما المعايير في متطلباتها النظامية ينظر لها كأعلى او ثاني اعلى معايير محاسبية ذات جودة عالية تسعى الى زيادة جودة المعلومات المالية المقدمة في التقارير المحاسبية باعتبار انها المخرج النهائي من النظام المحاسبي. وبالتالي فالمستثمر مثلا يفضل القيم الحالية في قياس المعاملات المالية على استخدام القيم التاريخية التي قد تكون غير متصلة بواقع العمليات المالية وتعتبر المعايير الدولية متقدمة في هذا الباب وهو باب تبني القيم الحالية في مقابل القيم التاريخية. أيضا المقرض يبحث عن معلومات اكثر تفصيل عن تدفقات المنشاة النقدية و المعايير الدولية ايضا اعتنت كثيرا بهذه القائمة وضرورة تفصيلها وافصاحها الكامل بقدرات المنشاة النقدية. والأمثلة تطول بهذا الجانب ولكن يبقى المستفيد (القارئ) للقوائم المالية رابحا من هذا التبني لهذه المعايير لما تمتلكه من جودة وايضا من رواج حول العالم يعزز من فرص الاستثمار والتمويل الاخرى.
وبالنسة لمعدي القوائم المالية يعتبر هذا التبني في بدايته بلا شك حمل و عبء اضافي يتطلب منهم الفهم لمناطق الاختلاف و التأهيل العلمي و المهني السليم الذي يكفل للمنشأة تحولا سلسا دون اي مشاكل تعكر واقع المنشأة المالي خصوصا المنشآت المطروحة في سوق الاسهم باعتبار ان الاخطاء في عرض القوائم المالية التي تتطلب من المراجع الطلب من المنشاة باجراء التعديلات على القوائم من الاخبار الغير محببة والرسائل التي لا ترغب المنشآت في ارسالها. ولهذا حرصت عدد من المنشأت على المسارعة في تبني النظم اوالتعديلات التطويرية سواء على الصعيد الالكتروني او البشري للتأكد من جاهزية تلك النظم والكوادر في هذا التحول ومن ابرز الامثلة في ذلك شركة الكهرباء وشركة سابك واللتين عرضتا تجربتيهما في ندوات رعتها الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين. فمثلا شركة الكهرباء اوضحت بأنها تعاقدت مع مؤسسات استشارية لتبني استيراتيجة واضحة المعالم لمرحلة التحول، حيث اشتملت هذه الاستيراتيجية على تكوين فريق للتحول داخل الشركة مرتبط بمختلف قطاعات الشركة وايضا تطوير النظم المحاسبية الالكترونية لتكون جاهزة مع اعداد دورات مختلفة تطويرية وتأهيلية للموظفين المتصلين بهذا التحول.
القطاعات الحوكمية و التنظيمية تعتبر من اهم المستفيدين في هذا الجانب ففي ظل الرؤية 2030م والتي تستهدف تطوير الاستثمارات داخل المملكة العربية السعودية ومن اهم برامج التطوير هو تعزيز حجم الاستثمارات الدولية داخل المملكة وبلا شك ان المعايير الدولية والتي ينظر لها اليوم على انها لغة المحاسبة التي لاقت رواجا وترحيبا من قبل المستفيدين، وبالتالي يتوقع من المستثمر الاجنبي ان يعد ذلك من المقومات التي تعزز امكانية استثماره. و يتوقع ان هذا التحول يتناغم مع زيادة حجم التجارة الدولية والذي هو هدف من الاهداف الاستيرتيجية لمختلف الدول ومنها المملكة العربية السعودية. وهو ايضا هدفا استيراتيجيا واضحا في برنامج التحول.
وعلى صعيد السوق المالية و كفاءتها فان المعايير الدولية لما تمتلكه من جودة عالية وتفاصيل مختلفة اتت بعد تجارب مختلفة من دول سبقت في تبني وتطوير هذه المعايير فيتوقع انها تعزز من حجم الشفافية داخل السوق وتطور من شكل وكمية القرارات المالية الاستثمارية التي بها تتحرك السوق المالية وتستقر.و بالاضافة الى ذلك يعتبر هذا التحول معززا لقوى الشركات والمنشآت السعودية في الاستثمار الخارجي باعتبار انه سوف يخفض من تكاليفها في اعداد اكثر من مجموعة من القوائم مالية بحسب المنطقة التي يتم الاستثمار بها، وهذا بلا شك سيدعمها باعتبار ان هناك عدد كبير من الدول حول العالم التي قبلت او تبنت المعايير الدولية.
وتعتبر المؤسسات التعليمية من جامعات و مراكز تدريب مختلفة كأحد ابرز المستفيدين من هذا التحول باعتبار الحاجة الكبيرة من قبل المؤسسات التجارية وايضا التنيظيمة للاطمئنان على كون الكوارد البشرية جاهزة وقادرة على الانتقال الى المعايير الدولية، وكان هذا الامر ملحوظا في تجربة شركة الكهرباء التي اعدت دورات مختلفة لموظفيها بهذا الخصوص. أما الجامعات والاقسام العلمية المختصة بالمحاسبة فهي ايضا بدأت تبادر في تبني تحولا تعليميا في المناهج والجرعات العلمية المقدمة لمهنيي المستقبل بحيث يكونون قادرين على مواءمة متطلبات سوق العمل.
كما يتوقع ان تتطور المناهج التعليمية في ظل وجود مناهج وتجارب علمية سابقة متوفرة حول العالم باعتبار ان هناك العديد من الدول حول العالم تتعامل مع المعايير الدولية وهذا بلا شك سيقدم خدمة للمناهج المحاسبية لتكون اكثر قوة وقدرة مع أهمية الترجمة والتأليف لتكون تلك المناهج العلمية بالصورة الملائمة للمتعلم السعودي وللبيئة السعودية. و من اهم المناطق التي تحتاج الى تأهيل علمي و ستكون محل طلب في المستقبل هي عملية تقدير و تقييم الأصول المختلفة بالقيم الحالية او ما يعرف بالمهارات الاكتوراية لكون المعايير الدولية تجنح كثيرا الى اسلوب القيمة الحالية وهي تختلف مع المعايير المحلية السابقة خصوصا في جانب تقدير القيمة للاصول الثابتة وغيرها من البنود المحاسبية.
وبالنسبة للمكاتب المحاسبية (المراجعين الخارجيين) ،فبلا شك ان تبني المعايير الدولية للمراجعة يعتبر عبء جديد على تلك المكاتب تحتاج من خلاله على تطوير نفسها لتكون قادرة على المراجعة والتأكد من ان عملاءها قد قدموا معلوماتهم المالية بالشكل المتناسب مع متطلبات المعايير الدولية وخصوصا مع وجود خطر التطبيق الجديد للمعايير لاحتمالية عدم الفهم او التطبيق الخاطيء او الغير مدروس فبالتالي يتوقع ان حجم المخاطر المرتفعة سيجعل المكاتب في مرحلة من الضغط العملي والعبء الاضافي في العمل فتحتاج ان تكون قادرة على امتصاص هذا الحمل والعبء تفاديا لاي مشاكل قد تعصف بالمهنة بشكل قوي. أيضا يعتبر هذا التحول مجال و فرصة رابحة للمكاتب المحاسبية وخصوصا الكبيرة التي تقدم خدمات استشارية مالية وتملك الكثير من الكفاءات المتميزة من ان تقدم خدمات استشارية كثيرة مما يعزز من ايراداتها في ظل الحاجة الملحة لدى كثير من الشركات التي هي في مواجهة مع متطلبات التحول.
كثير من المنشآت عليها ان تعلم بان التحول من المعايير المحلية السابقة الى المعايير الدولية ليس مبررا ولن يكون سببا مقنعا لاي تقارير مالية دون التوقعات او ذات المعالم بالفشل المالي. فالبعض من الاداريين او المعدين للقوائم قد يعتقد ان التحول مبرر مقنع لعرض معلومات مالية مختلفة ومحبطة، فالأمر ليس كما يبدوا او يحاول البعض ترويجة على ان التحول هو تحول جذري بل هو تحول في بعض الاليات والاجراءات و الجزئيات التي اما ان تكون عولجت سابقا بطريقة مختلفة او لم يتم التطرق لها في المعايير السابقة بشكل او بآخر. فلا يتصور ان هذا التحول سيجعل من شركة رابحة شركة خاسرة فقط لظرف التحول من المعايير المحلية الى المعايير الدولية خصوصا اذا ما علمنا ان تلك المعايير تركت مجالا للدول تعمل من خلال على الموائمة و الموافقة لظروف الدولة وهذا ما عملت عليه لجنة التحول المشكلة من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونين.
خاتمة: التجانس صفة هامة بها ترتفع قيمة المعلومات المالية التي تحتويها التقارير المحاسبية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال