الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
في عام 1985 قام فرانسوا ميشلين رئيس شركة “ميشلين” الفرنسية لللإطارات بإرسال كارلوس غصن، الشاب البرازيلي ذو الأصول اللبنانية، إلى أمريكا الجنوبية ليدير عمليات الشركة هناك والتي كانت تعاني من الخسائر. التعليمات كانت واضحة: قم بتحويل الشركة من الخسارة للربحية.
في خلال سنتين، نجح الشاب في مهمته وهو في عمر الثلاثين سنة. اعتمد للنجاح على سياسة التنوع في الخبرات والبناء على الخلفيات العملية المختلفة لفريق العمل بهدف إيجاد أفضل الممارسات وتطبيقها نحو تحقيق هدف موحد. بعد نجاحه في مهمته بالإضافة إلى عمله أيضا في إعادة هيكلة أخرى لفرع الشركة في أميركا الشمالية، انضم غصن إلى شركة صناعة السيارات الفرنسية “رينو” التي كانت تعاني من تراجع مستمر في الأداء وخسائر متواصلة. بالاعتماد على فلسفته الإدارية القائمة على التنوع وخبرته السابقة نجح غصن مرة جديدة وعادت “رينو” للربحية بل ودخلت في شراكة مع “نيسان” اليابانية متضمنة شراء حصة فيها. كانت “نيسان” وقتها غارقة في الديون والخسائر. بكل جرأة استلم غصن إدارة “نيسان”، مع احتفاظه بمنصبه مديرا ل “رينو”، وأعلن خطة إعادة الهيكلة بأهداف للعودة للربحية وتقليص الديون خلال سنتين مع تعهده بالاستقالة في حالة عدم تحقيق الأهداف. نجح مرة أخرى وأصبح من الأساطير الإدارية وخصوصا في عمليات إعادة هيكلة الشركات المعقدة.
عند مراجعة عمليات إعادة هيكلة بعد القيام بها فإنها تبدو سهلة. تتضمن العمليات بيعا لأصول غير منتجة والاستغناء عن موظفين وتغيير أساليب العمل. النظر للقرار بعد ظهور نتيجته الإيجابية يوحي بأنه كان بديهيا لكنه من أصعب القرارات في مجال العمل لأن الخطأ في القرار يجعل الفشل مضاعفا. وقوع الشركة في خسائر متواصلة وعدم قدرتها على التغيير وتحسين النتائج يعني بدون شك أن هناك خطأ. تحديد مكمن الخلل يتطلب فهما للعمليات وتحليلا لما يجري. أما اتخاذ القرار بالتغيير وتحمل مسؤولية النتائج فيحتاج لخبرة وجرأة يملكها القليل. الفرق بين من يعرف ما يجب عمله ومن يعمله هو ما يوصل إلى النجاح الكبير.
الخوف من التغيير والغوص في التفكير في احتمالات الفشل هو ما يجعل معظم من يمارس العمل الإداري يحجم عن اتخاذ قرارات مصيرية يؤدي عدم اتخاذها إلى تراكم الفشل ووصول الوضع إلى مراحل صعبة الإصلاح. يتأخر صاحب القرار في أحيان كثيرة في عمل التغيير بسبب تفكيره في عواقب ذلك من نواحي غير عملية مثل تأثيره على الغير أو نظرة الاخرين له. شركات كثيرة كان يعرف أصحابها أنهم يسيرون في الاتجاه الخاطيء لكن الخوف من نظرة الاخرين لهم جعلتهم لا يتخذون قرارات جريئة ندموا عليها في وقت لاحق. بنفس الأسلوب، امتنع مدراء كثر عن اتخاذ قرارات بالاستغناء عن مجموعة من الموظفين لتحسين نتائج الشركة وإنقاذها فانتهى الأمر بإغلاق الشركة وخسارة كل الموظفين لوظائفهم بدلا من جزء فقط.
في مثال شهير اخر، وغيره أمثلة كثيرة، عانت شركة السيارات العملاقة “جينيرال موتورز” من الخسائر والديون ووصل بها الأمر لإشهار إفلاسها عبر ما يعرف ب chapter 11 في عام 2009. بعد سنة عادت الشركة للربيحة وقامت بطرح أسهمها للاكتتاب مجددا. مع أن الحكومة الأميركية ضخت أموالا في الشركة لإنقاذها، لكن التغيير كان عبر إعاة الهيكلة من بيع شركات تابعة والاستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين فعادت الشركة عملاقة مرة أخرى.
في الأوضاع الاقتصادية الصعبة لا يمكن الركون إلى طريقة سير الأمور وتمني تحسن الوضع العام بدون اتخاذ إجراءات وقرارات جريئة. التعلق بالوضع القائم عاطفيا لأسباب نيتها حسنة بدون التفكير في أبعاد ذلك في المستقبل من الأخطاء المميتة في عالم الإدارة. إن مسؤولية صاحب القرار في أي جهة أو منشأة لا تقتصر على إدارة الوضع القائم بل تتعداه إلى ضمان استمرارية المنشأة وهذا هو الفرق الحقيقي بين صاحب القرار الناجح وغيره من المترددين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال