3666 144 055
[email protected]
[email protected]
[email protected]
يتخذ المواطن قراراته الاقتصادية وكل ما يتبعها من قرارات بناء على معرفته بظروفه الحالية والمستقبلية والتي تعتمد بشكل كبير جدا على ظروف ووضع المجتمع بشكل عام والحكومة بشكل خاص . وكل قرار اقتصادي حالي له تبعات مستقبلية قطعا ، لذلك يجب أن تكون الرؤية المسقبلية للمواطن معلومة وواضحة أيا كانت تلك الرؤيا .
وعندما يفقد المواطن رؤيته الواضحة للمستقبل يفقد شعوره بالأمان وذلك يجعله يفقد قدرته على إتخاذ القرارات الصحيحة للمستقبل . ويظهر الإرتباك في كل قراراته وتتأثر بذلك الإرتباك كل حياته . والأسوأ إن كان قد اتخذ قرارات معتمدا على وضع مستقبلي معين ثم حدث تغير غير متوقع لذلك الوضع المستقبلي ، وقتها فإن تصحيح قراراته ستزيد من إرتباكه وتخبطه في اتخاذ القرارات وزيادة في شكه في المستقبل ، وهو ما يعني مزيد من عدم الشعور بالأمان .
والقرارات الأخيرة كانت مؤثرة جدا في صلب حياة المواطن وكانت مفاجئة للجميع ، حتى أولئك الذين لا يواجهون مشاكل اقتصادية كانت تلك القرارات مفاجئة ومربكة لهم ، والسبب أنها وضعت ظلال من الشك على المستقبل وجعلتهم غير قادرين على التخطيط لحياتهم في ظل ذلك الشك وعدم الوضوح فيما سيكون عليه الوضع مستقبلا.
وكان يجب أن يعلم المواطن بمضمون تلك القرارت من وقت كافي وأن توضح الظروف التي أدت لإتخاذ تلك القرارات والنتائج المتوقعة لها ، والأهم كيف سيصبح عليه الوضع بعد تلك القرارات ليس لسنة بل لمجمل مدة الرؤية أو على الأقل حتى 2020 فذلك ما سيشعر المواطن بالاستقرار والأمان وبالتالي يستطيع ترتيب حياته على أساس واضح وقوي ، حتى ضمن التقشف .
لكن المؤسف أن ذلك لم يحدث وعصفت القرارات بالمواطنين وألقتهم في مناطق مظلمة من الريبة والشك وعدم الوضوح والإرتباك وظهر ذلك جلينا في مواقع التواصل الإجتماعي . وكان من المفترض أن يخرج على المواطنين أحدالمسئولين لتدارك تلك الفوضى العارمة من الشكوك والظنون والتأويلات والتفسيرات التي قسمت المواطنين إلى ثلاثة أقسام فريقان يتبادلان الإتهامات والتخوين والتجهيل وفريق صامت أو متوجس أو محلل بقدر من التوازن (المفتعل). لكن ذلك الخروج لم يحدث أيضا ما كرس ظلال الشك وعدم اليقين والإرتباك .
وزاد الطين بله ما اشيع عن قرارات اقتصادية أخرى تتعلق بفرض رسوم على بعض الخدمات التي تقدمها الحكومة مجانا، ثم تكذيب تلك القرارات من مصادر مسؤولة في تلك الجهات. وهو ما أدخل المواطنين في شك وريبه وعدم استقرار وخوف من اتخاذ أي قرار خاص بهم أو التصرف بأي تصرف قد تكون له تبعات مالية واقتصادية مستقبلية تؤثر على حياتهم بصورة سلبية .
والغريب والمضحك والمربك أيضا أن يترك لمنابر المساجد التدخل على خط هذه المشكلة الاقتصادية لتفسيرها وتوضيحها ، بل ووصل الأمر ببعضهم إلى رسم سياسات اقتصادية مستقبلية للدولة بناء على تلك القرارات ليس من صلبها ولا حتى من مفهومها وإنما بناء على إستنتاجاتهم التي فرضتها ظروف عدم الوضوح واليقين .
أما القرارات في ذاتها وما سبقها من قرارات فإن نتائجها الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط ليست في صالح الاقتصادي السعودي . ذلك أن محرك الاقتصاد في الاقتصادات الريعية هو الإنفاق الحكومي والإنفاق الحكومي الفعلي تراجع بصورة كبيرة جدا وتأثرت كل القطاعات الاقتصادية بذلك التراجع في الإنفاق الحكومي ، وظهر الأثر بوضوح على قطاع الإنشاءات بالضرر الكبير الذي لحق بأكبر شركتين في هذا القطاع .
وقرارات رفع رسوم الكهرباء والمياه والمواد البترولية المختلفة والخدمات البلدية وغيرها من الرسوم ، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الإتصالات ، كل ذلك يؤدي إلى رفع تكاليف جميع السلع والخدمات بشكل مباشر وقوي وبالتالي رفع الأسعار ، وهو ما حدث فعلا فرغم التراجع الكبير في أسعار السلع عالميا نتيجة تراجع أسعار النفط لم يقابله تراجع في الأسعار المحلية بنفس النسبة ولا قريبا منها ، بل إن بعض السلع المستوردة ارتفعت أسعارها محليا مع تراجعها عالميا .
وقرارات وقف العلاوة والبدلات وكل قرارات التقشف تعمل على خفض القوة الشرائية لأهم قطاعات المجتمع والمحرك الاقتصادي الأهم وهم الطبقة الوسطى من ذوي الدخل المحدود . وذلك يعني قطعا خفضهم لنفقاتهم ليس الكمالية فقط بل وحتى الضرورية ، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى الإخلال بإلتزاماتهم المالية كالإجارات والقروض والأقساط .
النتيجة لكل ذلك إتجاه الاقتصاد إلى الركود التضخمي الذي يعد أخطر الأمراض التي تصيب أي اقتصاد في العالم ، ما يعني الدخول في دائرة من الخسائر المستمرة للحكومة والقطاع الخاص والمجتمع . إضافة إلى الشكوك في مزيد من سياسات التقشف وعدم الوضوح فيما سيكون عليه الوضع في المستقبل فإن ثقة الناس في تحقيق رؤية 2030 تتراجع ليس نظريا بل عمليا من خلال الإحجام عن اتخاذ قرارات استثمارية إعتمادا على خطط الرؤيا وربما التريث والتوقف عن تنفيذ ما تم من قرارات في ذلك الإتجاه ، وقد تكون الشركات الكبرى قدوة للشركات الصغرى والمواطنين.
ولكي يستعيد المجتمع الثقة في الرؤية السعودية 2030 أتمنى أن تقوم شخصية إعتبارية كبيرة في الحكومة بشرح الوضع الحالي للحكومة سياسيا واقتصاديا وظروف اتخاذ القرارات التقشفية رغم التصريحات المتكررة من المسؤولين أن السعودية تستطيع تحمل 20 دولار للبرميل لمدة طويلة ، وما سيكون عليه الحال في المستقبل القريب والبعيد ، وأن يتم ذلك بكل وضوح وشفافية ودقة .
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734