الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
abdulkhalig_ali@
abdu077@gmail.com
المصطلحات الاقتصادية من أكثر المصطلحات إستخداما في الإعلام بكافة أشكاله ومع ذلك فإن معرفة عامة الناس بمفاهيم ومدلولات تلك المصطلحات التي يسمعونها محدودة ، تصل لدرجة عدم معرفة ما يترتب على إستخدامات تلك المصطلحات في القرارات والتقارير والأخبار والمقالات الاقتصادية ، والخلط بين المفاهيم بسبب تشابه اللفظ أو تقارب الهدف .
يتداول الناس هذه الأيام مصطلحي تقشف وكفاءة الإنفاق ، ومعظم ما سمعت أو قرأت في مواقع التواصل الإجتماعي يدل على خلط كبير بين المفهومين حتى من بعض أصحاب الشهادات العليا ، بل إن بعض كتاب الرأى في الصحف يكتبون عن التقشف وترشيد الإنفاق على أنه شيء واحد . فعدم معرفة مفهوم كل مصطلح وبالتالي عدم معرفة أثره الاقتصادي ، نتيجته عدم معرفة القرارات التي تُصل لكل منها وما ستأول إليه نتائج تلك القرارات .
الحقيقة أن الفرق شاسع بين المفهومين رغم تشابه بعض الوسائل المستخدمة للوصول لأي منهما ، لكن النتائج النهائية لكل مفهوم على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام مختلفة تماما . وخطورة خلط المجتمع بين تلك المفاهيم الاقتصادية يؤدى إلى سوء في التعاطي معها بالشكل الصحيح وربما بعكس ما تهدف تلك القرارات إلى الوصول إليه .
التقشف حالة طارئة تلجأ إليها الحكومات عندما تواجه عجزا كبيرا في الموازنة يجعلها غير قادرة على تسيير الشؤون المالية للدولة ، فتقوم بخفض النفقات العامة بشكل عام بدون النظر إلى طبيعة ذلك الإنفاق وأهميته ، وقد يمتد الخفض إلى رواتب الموظفين الأساسية وكل ما يتعلق به . والهدف الأساسي للتقشف هو خفض الإنفاق العام لمواجهة العجز في الموازنة ، وغالبا ما يصحب التقشف رفع معدل الضرائب أو الرسوم لتعويض النقص في الدخل العام . وقد استخدمت كثير من دول العالم السياسات التقشفية بما فيها دول صناعية كبرى كبريطانيا .
والتقشف أداة اقتصادية مهمة تشبه الكي في العلاج فلا يجب إستخدامه إلا في الظروف الاقتصادية والسياسية القاهرة ، ولا يجب أن يستمر لفترة طويلة . والسبب أضراره الاقتصادية المدمرة على الاقتصاد وعلى حياة الناس ، فخلال التقشف تنخفض الخدمات الحكومية كمّا ونوعا ، وتضعف القوة الشرائية بيد الناس نتيجة خفض التوظيف والأجور والبدلات وجميع النفقات على دخول الناس ، وترتفع تكاليف السلع والخدمات نتيجة لرفع الضرائب والرسوم ، وكل ذلك يؤدي إلى التضخم والكساد معا .
لذلك تواجه الدول تلك المشكلة بوضع خطة محددة وواضحة لتجاوز تلك الأزمة خلال مدة محدودة ومعروفة لدى الجميع . لكن تجارب معظم الدول مع التقشف غير مشجعة لأن تأثيره المدمر على الاقتصاد أكبر من تأثير مديونية الحكومة مهما بلغت ، خصوصا في الدول غير المنتجة التي يعتمد فيها القطاع الخاص على الإنفاق الحكومي وبالتالي لا يستطيع تعويض الاقتصاد عن الانفاق الحكومي .
والنتيجة استمرار حالة التقشف لفترة طويلة تؤدي إلى إرهاق الناس والاقتصاد ، ويكون إصلاح ذلك الضرر على المدى القصير وربما المتوسط متعذرا ، وهو ما يجبر الحكومات إلى الاقتراض مرة أخرى لمواجهة الركود الذي يشل حركة الاقتصاد تماما . وذلك يعني أن التقشف لم ينجح في حماية الحكومة من الإقتراض ولم يحمي الاقتصاد والشعب من الضرر . هذا ما يحدث مع معظم الدول التي تتبع سياسات تقشفية .
فاليونان مثلا رغم ما قامت به من إجراءات تقشفية قاسية لم تستطع الخروج من أزمتها المالية ومعاناة الناس مع التضخم تزداد يوما بعد يوم . ورغم كل تلك التجارب الفاشلة للتقشف لازال البنك الدولي يحث الدول التي تواجه مشاكل مالية على إتباع سياسات تقشفية مؤلمة .
أما كفاءة الإنفاق فإنه إداة إقتصادية أخرى تستخدمها الدول دائما وفي جميع الظروف ، فهي تهدف إلى إستخدام الموارد المالية للدول بأفضل ما يكون وخفض الهدر المالي بكل أشكاله ومحاربة الفساد وسوء إستخدام المال العام ، سواء بالجهل أو عدم الإهتمام به أو حتى بهدف التربح منه بغير وجه حق بأي طريقة .
كفاءة الإنفاق تؤدي إلى خفض تكاليف المشاريع إلى قيمتها الحقيقية وإيقاف الهدر الناتج عن الفساد، وتؤدي كفاءة الإنفاق إلى الإستفادة من عمل الموظف بأقصى درجة ممكنه ، وتمنع البطالة المقنعة والترهل في الهيكل الوظيفي للحكومة . بإختصار كفاءة الإنفاق تتجه إلى مواطن الإنفاق غير الرشيد لأي سبب وتوقفه .
والفرق الجوهري بين التقشف وكفاءة الإنتاج أن الأول يؤدي إلى تردي الخدمات التي تقدم للمواطن وتأثرعلى دخول الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل ، بينما الثاني يرفع من جودة الخدمات المقدمة ولا تتأثر دخول عامة الناس ، ويقع معظم الأثر على الفاسدين من مختلف فئات المجتمع .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال