الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ahmadaziz.com
ahmadibnaziz@
اليانصيب .. حُلم الثراء السريع. هذه العبارة ربما تختصر وصف اليانصيب والسبب الرئيسي في الرغبة في الاستمرار في المشاركة فيه مع سلسلة الخسائر التي يُمنى به الشخص. في الولايات المتحدة الأميريكة كمثال ايرادات اليانصيب خلال عام ٢٠١٣م لوحده بلغت ٦٨ مليار دولار. وهذه الأموال التي تذهب لليانصيب أموال غير استثمارية بمعنى أنها ليست ذات مردود حقيقي على البيئة التي تُقام فيها. وإنما هي عبارة عن جمع للأموال دون توليد وظائف أو تطوير بُنية تحتية أو مساهمة مجتمعية واضحة. لذلك شركات اليانصيب تتجاوز هذه المعضلة خلال إعلاناتها التجارية من خلال الوعد أن جزء من هذه المبالغ سيتم صرفها على التعليم فشركات اليانصيب مجتمعة وعدت بصرف ما يقارب ٥ مليار دولار على التعليم. ولكن الدراسات السابقة تُؤكد أن العكس هو ما حدث! وذلك بأن الإنفاق على التعليم من قبل هذه الشركات تناقص بنسبة كبيرة خلال السنوات الماضية.
اليانصيب تُروج لفكرة الثراء السريع من خلال الاشتراك بمبلغ بسيط ورمزي على أمل الفوز بالجائزة الكبرى والتي تكون عادة ملايين الدولارات. ونسبة فوز الشخص في هذه الجائزة ضئيلة جدا. ففي ولاية Oregon الأمريكية حسب إحصائيات الولاية نفسها فإن الفرد الواحد يخسر سنويا 2564 دولار على لعبة البوكر. ومهما اختلفت المسميات إلا أن القاسم المشترك بينهم هو الوعد بالفوز الكبير وتحقيق حلم الثراء من خلال مبالغ بسيطة يقوم المشترك بدفعها. وهذه العبارة (الثراء السريع) هو ما يجعل البعض يُدمن على هذه المحرقة ويستمر حتى مع سلسلة خسائره على أمل الفوز وتعويض جميع الخسائر.
في السعودية بدون شك أن اليانصيب ليست موجودة بشكلها الذي رأينها في أمريكا، لكن الفكرة ذاتها متواجدة بأشكال مختلفة تؤدي لذات الغرض! سوق الأسهم السعودية أصبح شكلا من أشكال اليانصيب. من خلال الوعد بالثراء السريع عند شراء سهم شركة معينة واشتهرت عبارة (سهم التدبيلة) والتي تروج لسهم شركة معينة سيتضاعف سعر السهم خلال مدة معينة للضعف وهو ما يعنى ربح ١٠٠٪ للمشتري! ولا يمكن إخفاء كيف أصبح جزء من الممارسات في سوق الأسهم السعودي عبارة عن محرقة ضخمة للأموال خصوصا صغار المتداولين.
هذه المحرقة لم توجد من نفسها، وانما كانت البيئة خصبة لتنمو مثل هذه التصرفات فيها، فضعف الأنظمة التي تُنظم السوق خلال العقود الماضية خصوصا ما قبل انهيار ٢٠٠٦م الشهير جعل السوق السعودي هش بدرجة كبيرة. ومع تطور الأنظمة الرقابية والتقنية التي تراقب السوق حاليا إلا أن العقوبات ما زالت ضعيفة، صحيح أن سوق الأسهم استقبل قبل عدة أشهر بفرح خبر عقوبات مالية على عدد من المتجاوزين للأنظمة ولكن عند تتبع تواريخ هذه الممارسات الخاطئة يُصاب الإنسان بالإحباط. ذلك أن بعض القضايا أخذت سنوات طويلة حتى يتم اكتشافها والحكم فيها. وهو عكس المأمول من سرعة الحكم وحسم هذه المخالفات. إضافة لذلك أن الهيئة عند رصدها للمخالفات المالية فإن هذه المخالفات المالية حسب المعلن تذهب لخزينة الهيئة وكما تعلن الهيئة دائما أن الحق الخاص لا يسقط بهذه العقوبات وأن الفرصة ما زالت سانحة للأفراد المتضررين برفع قضاياهم بشكل مباشر على المتسبب بذلك وكلنا نعلم أن هذا الخيار غير عملي والسبب أن المتضررين ليسوا على مقدرة مالية كافية لتوكيل محامين ليتولوا استرداد حقوقهم.
يضاف هذا إلى تسرب الأخبار المؤثرة للشركات لبعض المتداولين وهو ما يساعدهم على البيع والشراء بناء على معلومات داخلية وحصرية لهم، وضعف شفافية الشركات مع مساهميها وإدراج شركات هشة للسوق المالي ينتهي الحال بها بوضع علامات تحذيرية أمامها! والمستثمر الأجنبي لن يستطيع دخول هذا السوق دخول المستثمر إلا عندما يتم تطوير أنظمة السوق الرقابية وزيادة شفافية السوق ووضع عقوبات صارمة على الجميع، وفتح المجال للمساءلة والاستجواب في حالات الإخفاق والتقصير في الأداء.
واذا كانت الأنظمة والجهات المنظمة تتحمل جزء من المسؤولية عن هذه المحرقة فالمتداول الذي يُدمن هذه المضاربات السريعة دون ادراك تام لأبعادها يتحمل تبعات قراراته الخاطئة. والذي يرخي سمعه لتوصيات الأسهم عبر معرفات مجهولة في الانترنت ويثق بتوصيات الآخرين دون دراسة عميقة منه لهذا القرار أو حتى معرفة الأسس المالية أو الفنية التي يبني عليها قراره تجعله لاعب رئيسي في هذه المحرقة الضخمة للأموال.
وحتى تطور أنظمة السوق الرقابية وتشديد العقوبات على المخالفين وسرعة اكتشافها والفصل فيها، وزيادة مسؤولية ووعي الفرد المتداول في السوق السعودي، جزء مما يحدث في سوق الأسهم السعودي يمكن اعتباره شكل من أشكال اليانصيب!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال