الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتبر صندوق النقد الدولي الذي أنشئ في عام 1944 لغرض الحفاظ على النقد في العالم أحد أهم اللاعبين في ميدان الاقتصاد العالمي ان لم يكن أهمهم على الاطلاق، ورغم درجة الموثوقيه التي يتمتع بها الصندوق عند بعض صناع القرار في العالم الا أن الأصوت التي تتهم برامجه وتوصياته بأنها معاول هدم لاقتصاديات الدول الناميه لازالت تتعالى خصوصا بعد الأزمه الماليه العالميه في 2008 وثورات الربيع العربي وكارثة الاقتصاد اليوناني .
الانتقادات التي توجه للصندوق أتت من مصادر متعدده فمنها ما كان على هيئة تصريحات لقادة دول تعاملت دولهم مع برامج وتوصيات صندوق النقد الدولي بشكل مباشر وبعضها جاء على شكل مؤلفات ومقالات لأكاديميين واقتصاديين ممارسين. ففي عام 2015 وفي مؤتمر (أسيا-أفريقيا) الذي عقد في جاكرتا حذر الرئيس الأندونيسي جوكوا ويدودو في كلمة له دول العالم الثالث من التعامل مع مؤسسات التمويل الدوليه وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وسبقه في هذا التحذير الرئيس الماليزي السابق مهاتير محمد الذي قال في محاضره له ألقاها بالقاهره في عام 2013 مانصه :
“ماليزيا اكتشفت أن نصائح صندوق النقد الدولي ليست كلها حقيقية خالصة وبعضها مضللة, ومن هنا قررت ماليزيا التعامل مع مشاكلها ذاتياً دون الرجوع لنصائح صندوق النقد الدولي”. أما (جون بيركنز) مؤلف كتاب (الاغتيال الاقتصادي للأمم) فقد أشار في كتابه الى كون الصندوق أحد أدوات بناء إمبراطورية عالمية تسيطر من خلالها منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم.
ووافقه في نفس التوجه الاكاديمي والاقتصادي الشهير ميشيل تشودوسوفوكي وذلك في كتابه (عولمة الفقر) الذي أكد فيه أن برنامج صندوق النقد الدولي قد يترك البلد المستهدفة في بعض الأحيان فقيرة كما كانت من قبل ولكن مع مديونية أكثر ونخبة قليله أكثر ثراءً.
وعلى النسق نفسه جاء كتاب (صندوق النقد الدولي : قوة عظمى) للكاتب الاقتصادي والأكاديمي الألماني ( أرنست فولف ( الذي بدأه بمقدمة هجوميه قال فيها : “هذا الكتاب هدية لبني البشر في أفريقيا وآسيا وجنوب أمريكا الذين لا يستطيعون قراءته لأن سياسة صندوق النقد الدولي قد حرمتهم من الالتحاق بالمدارس” ثم استعرض في أجزاءه الاثنان والعشرون اللاحقة الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم على مدار السبعين عاما الماضيه (حتى عام 2013) وربط بينها بالبيانات والتحليل وبين سياسات صندوق النقد الدولي .
إن الأمر الذي يدعو للقلق في توجهات الصندوق الدولي هو نوعية التوصيات التي يقدمها للدول فهي تأتي في صورة نمطيه وعلى شكل وصفه شبه موحده للجميع لا يراعى فيها اختلاف الخصائص السياسيه والاجتماعيه للدول وهي في الغالب تتمركز حول محورين أساسين هما : الحد من الانفاق الحكومي “التقشف” وازالة الحواجز أمام تدفقات رأس المال “تحرير رأس المال”.
هذه التوصيات يمكن وصفها بأنها تدفع الدول لتطبيق النيوليبراليه الاقتصاديه والتي أثبتت فشلها في الدول الناميه بشهادة الصندوق نفسه الذي أكد في تقرير داخلي له بعنوان “النيوليبراليه ، ذروة البيع” Neoliberal oversold من أن هنالك استنتاجات مثيره للقلق من قبل الصندوق والبنك الدولي عن تأثير سياسات النيوليبرالية في البلدان المتلقية لها، وكشف التقرير عن ثلاث نتائج مدمرة للنيوليبراليه الاقتصاديه تتمثل في عدم تحقيقها لزيادة في النمو الاقتصادي وأنها زادت من عدم المساواة الاجتماعية اضافة الى أنها قوضت الاستدامه الاقتصادية.
وخلص التقرير إلى أن سياسات التقشف تؤدي إلى تفاقم البطالة وزيادة تكاليف الأعباء الاجتماعية، كما أن زيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي ظاهريا من خلال رفع استثمارات القطاع الخاص فقط تؤدي في الواقع إلى انخفاض في الإنتاج بدلا من تعزيزه . – يمكن تعريف النيوليبرالية الاقتصاديه على أنها منهج اقتصادي يقوم على تحرير السوق ورفع يد الدولة عن أي تدخل في الحياة الاقتصادية -.
ولأن دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تعمل حاليا على اصلاحات اقتصادية فانه يجدر التنبيه والحال كما ذكر بعاليه الى أهميه عدم الركون لتوصيات صندوق النقد الدولي والأخذ بها على أنها مسلمات “اصلاحية” دون تدقيق وتمحيص واعتبار لمكونات الحالة الخليجية ، فلدول الخليج عموما خصائص خاصه في ادارة الحكم وعلاقة الشعب بالدوله ونظرته لها.
فالمواطن الخليجي يرى في دولته مصدر أمان وثقه ومنبع عطاء وهذا هو مصدر الاستقرار السياسي لدول الخليج العربي ومتى ما تغيرت هذه النظرة فان تحولات غير مرغوبة قد تحدث لا سمح الله . ان نماذج التحولات الاقتصادية الناجحة كثيرة ويمكن الاستفادة منها في تصميم نموذج مستقل يراعي الحالة الخليجية وخصوصيتها اما عن طريق الاستنساخ لنموذج واحد او المزج بين عدة نماذج ، فالنموذج الاسكندنافي والنموذج السنغافوري والنموذج الكوري الجنوبي والنموذج الماليزي جميعها تعتبر نماذج ناجحه لم يكن لصندوق االنقد الدولي فيها تدخل .
ختاما ، ان الاعتماد على الذات في حل المشكلات وعدم الركون للحلول المعلبة التي تأتي من أعالي المحيطات وتكلف المليارات هو السبيل الأنجح لاصلاح اقتصاديات دول الخليج وقديما قالت العرب ” ماحك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك” وقال الأنجليز “ليس كل الذي يلمع ذهباً”!.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال