الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في إحدى زياراتي لدبي الحبيبة برفقة أحد الأصدقاء المقربين من الذين حباهم الله بعلم و ثقافة و سعة اطلاع، و كعادته كان يثري النقاش بكل ما هو مفيد و شيق و مميز، و اذا بنا نجد أنفسنا منجذبين إلى ملصقات دعائية منتشرة في أماكن كثيرة تدعو الناس الى اغتنام فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العام. حيث كانت هذه الملصقات تشير إلى ما يسمى بالجمعة البيضاء كما يطلق عليها في منطقتنا أو الجمعة السوداء كما يطلق عليها في الغرب، و تحول هذا الموضوع الى محور نقاشنا و محاولة معرفة أثره الإقتصادي.
الجمعة السوداء هو اليوم الذي يأتي مباشرة بعد عيد الشكر في الولايات المتحدة الأمريكية و عادة ما يكون في نهاية شهر نوفمبر من كل عام. و تعزو بعض المصادر إلى أن أصل كلمة الجمعة السوداء تم إطلاقه من قبل شرطة مدينة فيلادلفيا في أميركا في سنة 1960 م نتيجة لكثرة الإختناقات المرورية و الحوادث في هذا اليوم. بينما تعزو مصادر أخرى إلى أن أصل هذه التسمية يعود إلى الأزمة المالية للولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1869 م حيث تسببت في كساد الكثير من البضائع مما إضطرت المحلات إلى إجراء تخفيضات كبيرة لزيادة المبيعات و للتعافي من حالة الركود. و مع مرور الوقت حرصت بعض الدول الأخرى مثل كندا و بريطانيا و فرنسا و الهند أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية في إحياء الجمعة السوداء و تشجيع تجار التجزئة لعمل تخفيضات مماثلة لإنعاش الاقتصاد من حالة الكساد.
في هذا اليوم يتوجه الناس من الصباح الباكر للوقوف في طوابير طويلة أمام المحلات للاستفادة من الخصومات الهائلة التي قد تصل إلى 90% وذلك لشراء هدايا أعياد الميلاد. و تشارك كثير من المحلات و المواقع الإلكترونية في عمل خصومات كبيرة في هذا اليوم.
و في تقرير أولي أعدته قناة سي ان بي سي بالتعاون مع الاتحاد الوطني للبيع بالتجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية و الذي نشر في يوم 27 من نوفمبر 2016، يذكر أنه في سنة 2015 قام 103 مليون شخص بالتسوق إلكترونيا مقابل 102 مليون شخص تسوقوا من المتاجر. أما في سنة 2016، كان للشراء الإلكتروني ميزة واضحة حيث بلغ عدد المشترين الكترونيا 108 مليون، في حين أن 99.1 مليون شخص قد اشتروا من المتاجر. و وفقا للاتحاد، فقد سجلت الإيرادات رقما قياسيا جديدا هو 3.34 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت 21% مقارنة بسنة 2015. و للمرة الأولى في تاريخ التجزئة فقد تخطت العوائد حاجز المليار دولار لتصل نحو 1.2 مليار دولار للأجهزة الإلكترونية و بخاصة الأجهزة المحمولة منها كالجوالات.
و يوضح موقع الإحصاءات (statista) في جدول تمت فيه مقارنة الإيرادات للمبيعات من خلال الإنترنت في يوم الجمعة السوداء و ذلك من سنة 2008 حتى سنة 2016 تبين أن هناك زيادة سنوية مستمرة. حيث كانت الإيرادات 500 مليون دولار أمريكي في سنة 2008 مقابل 1.97 مليار دولار أمريكي في سنة 2016.
أما بالنسبة للوطن العربي و بحسب موقع نيوز ويك في مقال تم نشره في 25 نوفمبر 2016، فقد انفرد أحد المواقع الإلكترونية (سوق) بإطلاق تسمية الجمعة البيضاء و ذلك في سنة 2014 م فقام بعمل تخفيضات مماثلة تهدف إلى إنعاش المبيعات. و بحسب أحد مؤسسي الموقع، فقد تم تحقيق مبيعات عالية و بزيادة سنوية مستمرة في المبيعات منذ بدأها في 2014. و يتوقع أن تواصل المبيعات زيادتها السنوية في الوطن العربي و بخاصة في السعودية و الإمارات نظرا لكثرة عدد مستخدمي الأجهزة الذكية. كما يتوقع أن تكون الجمعة البيضاء و المواقع الإلكترونية (مثل موقع سوق) محفزاً لرواد الأعمال في الشرق الأوسط للبدء بإنشاء الشركات و الاستثمار في التجارة الالكترونية.
و الحقيقة أنني حاولت أن أستفيض في المعلومات عن الأثر الإقتصادي لمثل هذه الأيام على الوطن العربي و لكن يوجد شح في الدراسات ذات العلاقة بذاك الأثر.
و الجدير بالذكر أنه في مصطلحات و مبادئ المحاسبة تكمن أهمية هذا اليوم بالنسبة للكثير من محلات التجزئة في أن كمية المبيعات في هذا اليوم وحده قادرة على تحويلها من الخسارة (و يرمز لها باللون الأحمر) إلى الربح (و يرمز له باللون الأسود).
لذا تعمد مدينة إقتصادية كبرى كدبي إلى تشجيع قطاع التجزئة بعمل خصومات كبيرة في مناسبات عدة مثل مهرجان التسوق و الجمعة البيضاء و اليوم الوطني لما فيه من أثر إيجابي على قطاع التجزئة بشكل خاص؛ مما يسهم أيضا في ازدهار السياحة و أثرها الإقتصادي الإيجابي الممتد على القطاعات الأخرى مثل الطيران و الفنادق و المطاعم و المواصلات…
و للحديث بقية عن دبي و عن صديقي…
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال