الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السنة السادسة للهجرة بعد عقد صلح الحديبية مع قريش، عزم الرسول صلوات الله و سلامه عليه أن يدعو الملوك والأمراء في ذاك الزمان إلى دين الإسلام؛ فوقف وخطب بصحابته واختار منهم من يحمل رسائله. وكان اختيار النبي صلى الله عليه و سلم لسفرائه قائمًا على مواصفات خاصة، فلم يكن اختيارا عشوائيا أو لأغراض ومصالح شخصية أو لهوى في نفسه، إنما كان اختيارا على مبادئ وأسس صحيحة، فقد كانوا يتحلون بالعلم والفصاحة، والصبر والشجاعة، والحكمة وحسن التصرف.
إن اختيار الأشخاص المناسبين هو نقطة انطلاق التميز في الإدارة و القيادة. وأنا إذ أذكر المناسبين، فالمعيار حتما هو واحد، ألا وهو “الكفاءة”! لا يوجد معايير أخرى مثل : العائلة، أو القبيلة، أو القرابة، أو المنطقة، أو اللون، أو الشكل، أو الجنس.
لذا يشير الكاتب “جيم كولينز” في كتابه “جيد إلى عظيم”، إلى أن أول عمل في الإدارة هو أن “تدخل الأشخاص المناسبين الحافلة، و تجلس هؤلاء الأشخاص المناسبين على المقاعد المناسبة لهم، و من ثم استبعاد الأشخاص غير المناسبين من الحافلة”.
كما يذكر الكاتب “براين تراسي” في كتابه “التحفيز” قصة “لي أيوكوكا” الرئيس التنفيذي لشركة كرايسلر في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، أنه عندما تم إحضاره لينقذ الشركة التي كانت على حافة الإفلاس. و بعد تأمين 350 مليون دولار أمريكي ضمانا كقرض للحفاظ على أعمال كرايسلر، عمل “أياكوكا” بطريقة منهجية على الإدارة العليا للشركة، فقام باستبدال خمسة وثلاثين من أصل ستة و ثلاثين من نواب الرئيس في فترة ثلاثة أعوام. و بحلول الوقت الذي أنهى فيه عمله، قام بإعادة تغيير الموظفين بشكل كامل من ذوي الرواتب العليا لشركة كرايسلر ووضع مكانهم مديرين تنفيذيين ذوي مهارة و خبرة عالية في السيارات من أنحاء أمريكا وجميع دول العالم.
ومع “وجود الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة”، خضعت كرايسلر لتحول استثنائي، فقد حولت الخسائر إلى أرباح. وفي أقل من ثلاث سنوات، سدد “أيوكوكا” قرض ال 350 مليون دولار أمريكي بشكل كامل وأخرج شركة كرايسلر من نفقها المظلم الذي كانت فيه.
التغيير الناجح، يجب أن يبدأ من الأعلى للأسفل و ليس العكس. القادة هم المؤثرون، أما بقية الموظفين فهم تابعون لأنظمة المؤسسة وتوجيهات رؤسائهم. هذا وقد ذكرت إحدى البحوث، أن أول اهتمامات القادة الناجحين هو اختيار فريق العمل! إنهم لا يبدؤون بالاستراتيجية بل يبدؤون باختيار فريق عمل رائع جدا من منطلق أن الفريق الرائع يستطيع توجيه الشركة في الاتجاه الصحيح ويستطيع مواجهة الصعاب. إن وضع معايير أخرى في التوظيف أو اختيار فريق العمل على أسس غير الكفاءة، سوف يتسبب في شللية المؤسسة، بل أدهى من ذلك، سيتسبب في قتل الوطن!
ولا أعتقد أن يختلف اثنان على أن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هي إحدى الدول العظمى المسيطرة في شتى المجالات. لكن لنعد بالتاريخ قليلا، سنجد أن لا أصل لهذه الدولة بشكلها الحالي. فقد بدأت ببعض المستعمرات من المهاجرين الأوروبيين ابتداء من القرن السادس عشر، ثم خاضت عدة حروب داخلية حتى استقلالها في القرن الثامن عشر، و توالت بعدها الحروب الداخلية و الخارجية مثل الحرب العالمية الأولى و الثانية. كل ذلك، كان يجب أن يزيدها تفككا وضعفا وانهزامية، ولكن ما حصل غير ذلك! أصبحت أمريكا أقوى وأغنى في كل شئ. غناها كان في تنوعها واستقطابها للنخبة من المفكرين والعلماء والأدباء الذين استطاعوا أن ينهضوا بالوطن.
وأنا لا أستسيغ فكرة السماح و إعطاء الفرص الواحدة تلو الأخرى لقائد منظومة (وزارة، هيئة، شركة، مصنع، إدارة…إلخ) لا يستطيع أداء المطلوب منه أو لا يستطيع القيام بما يلزم من إصلاحات. فالتميز يحتاج لقادة شجعان، حاسمين وحازمين في اتخاذ القرارات اللازمة لتغيير الأشخاص المسؤولين عن أي منظومة لا تؤدي عملها بالشكل المطلوب. القادة العاطفيين من الأفضل نقلهم إلى وزارة الشؤون الاجتماعية أو اللجان أو الهيئات الخيرية لعل لديهم من الشفقة والرحمة ما يلزم لتحسين أوضاع المحتاجين و الفقراء!.
يذكر الكاتب “جون سي ماكسويل” في كتابه “أساسيات القيادة ” أنه قابل أحد رؤساء الشركات الاستشارية التي تتولى إدارة الفنادق و المنتجعات التي لا تؤدي أداء ماليا جيدا، و ذكر له ذلك الرئيس أنه عندما تتولى شركته السيطرة على مؤسسة ما، فإنهم يبدؤون بعمل شيئين. أولا: يدربون جميع العاملين بالمكان على تحسين مستواهم في خدمة العملاء. ثانيا: يقومون بطرد القائد! ويقومون بذلك في كل مرة. وذلك بسبب بسيط، وهو: أنه لو كان قائدا جيدا، لما كانت شركته تعاني تلك الفوضى التي طالما عانت منها.
كن شجاعا أيها القائد واتخذ ما يلزم فورا لتحسين أداء منظومتك! وإلا، فالأفضل لك ولغيرك أن تتنحى من نفسك أو سيأتي من يزيحك من مكانك. لا مكان للمعطلين و المسوفين و المتخاذلين.
يقول توماس جيفرسون “عندما نتحدث عن طريقة العيش فاسبح مع التيار. أما ما يخص المبادئ، فلتكن صلبا كالصخرة”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال